مذكرات

الفكر السياسي الاصلاحي عند علال الفاسي

اذا كان العالم العربي الاسلامي قد دخل مرحلة الانحطاط, ابتداء من القرن الخامس عشر الميلادي فان مرحلة القرن التاسع عشر كانت مرحلة يقظة شاملة استطاعت ان تبلور جوابا حقيقيا عن التحدي الذي فرضه الاستعمار الغربي و ذلك عبر العودة الى الذات لمحاولة اصلاح اعطابها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية التي ساهمت في تكريس وضعية التأخر التاريخي للأمة.

و لايمكن ان نتحدث عن هذه المرحلة من دون استحضار التيار الاصلاحي الذي يعتبر المحرك الاساسي لعجلة التحول و ذلك في علاقة بالمجهودات الفكرية و السياسية الجبارة التي بذلها رموزه سواء في علاقة بالنزعة الليبرالية او في علاقة بالنزعة السلفية.

في المغرب تشكل التيار الاصلاحي في علاقة بالمشرق رغم ما تميز به من بعض الخصوصية التي فرضتها الذاتية المغربية, و هنا نؤكد على المجهودات الجبارة التي بذلها رموز الحركة الوطنية الذين جسدوا قوة الفكر الاصلاحي المغربي على مستوى التفكير و على مستوى الفكر و النضال.

و المعروف انه كلما أثير الحديث عن الحركة الوطنية في المغرب و عن حزب الاستقلال بالذات , الا و يحضر اسم وطني كبير من عيار الاستاذ علال الفاسي, الذي جمع في شخصيته بين المفكر و المناضل, فعلى مستوى التفكير كان سلفي النزوع, و على مستوى النضال كان وطنيا مصلحا كما ان انتماءه لمرحلتين مختلفتين من تاريخ المغرب الحديث كان له كبير الاثر على شخصيته الفكرية و النضالية, سعى علال الفاسي الى تأصيل القضايا السياسية و الاجتماعية مع الانفتاح الواعي عن على تجارب الامم الاخرى, و لعل ذلك يعود بالضرورة الى طبيعة ثقافته الدينية التي لم تكن سلفية نصية بل كانت تستند في التفكير و الممارسة الى مقاصد الشريعة الاسلامية.

استثمر الاستاذ علال الفاسي كمفكر سلفي معرفته الدينية لتأصيل المسألة السياسية, فقد اعتبر ان المصدر الاساسي في التشريع هو الشريعة باعتبارها الهية الاساس و ليست وضعية كبقية القوانين البشرية القديمة او المعاصرة, و في نفس الوقت يؤكد انه رغم الطابع الالهي للشريعة الاسلامية, و الذي يتعارض مع الطابع الوضعي للقوانين فان هناك اسسا لإشراك المسلمين في التشريع عن طريق الاجتهاد.

و عندما ينطلق الاستاذ علال الفاسي من التجربة المغربية ليوضح المسار الذي قطعه التشريع في المغرب فهو يذهب الى انه كانت هناك استحسانات فقهية مبنية على الاجتهاد في السياسة الشرعية ثم ظهرت حركة وطنية دستورية في ايام السلطان عبد العزيز و ضعت مشروع دستور و قانون مدني.

و اذا كان الاستاذ علال الفاسي قد ركز على تأصيل السؤال السياسي في الثقافة العربية الاسلامية عبر استثمار آلية الاجتهاد في قراءة النص الديني فانه لم يغفل الانفتاح على المرجعية الفكرية و السياسية الحديثة و هذا ما جعله مهووسا بسؤال التحديث, فقد اقتنع بان تخلف الامة يعود الى فشلها في توطين مقاربة سياسية حديثة تساعد على تأسيس نموذج حديث للدولة.  لدى نجد الاستاذ علال الفاسي بانتمائه السلفي ينفتح من دون مركب نقص على التجارب السياسية الحديثة و ينهل منها لبناء تصور حديث للدولة و السلطة و الامة.

ان هذا التوازن و التكامل في شخصية الاستاذ يتجاوز المستوى الذاتي الى المستوى الجماعي بالنظر الى ما تميز به الفكر الاصلاحي المغربي من قوة في الطرح النظري و مرونة في الممارسة العملية و لذلك لا يمكن للمطلع على هذا المفكر ان يعثر على اي شكل من اشكال التطرف التي ابتلي بها الفكر العربي الاسلامي التي ابتلي بها الفكر العربي الاسلامي بعد نجاح المؤامرات التي حيكت ضد الفكرة الاصلاحية و هو تطرف لا نستثني منه اي تيار.

لقد كان علال الفاسي احد ابرز الاصوات الاصلاحية في المغرب, يقارب اشكالية التخلف باعتماد المدخلين الاجتماعي و السياسي موجها تفكيره و نضاله لمواجهة كل اشكال الظلم و منتصرا للمطالب الديموقراطية التي تستمد شرعيتها من الدين الاسلامي و من المرجعية السياسية الحديثة.

مجلة وجهة نظر

د. ادريس الجنداري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى