الرأي

في معنى المغرب أولا

عبد الإله إصباح

في سياق مناهضة المد المساند للقضية الفلسطينية، عمدت بعض الأصوات النشاز إلى ترويج وتداول شعار ” المغرب أولا” للإيحاء بأنه لا ينبغي أن ننشغل كمغاربة إلا بالشأن الوطني و لا نضيع الوقت والجهد بالانشغال بقضايا بعيدة عن مجالنا الجغرافي وقد تبعدنا عن التركيز عن مجالنا الوطني  وما يواجهه  من تحديات وإكراهات ومتطلبات مرتبطة بالتنمية والوحدة الترابية.

وكان من الممكن أن يكتسي هذا الشعار قدرا من المصداقية لو أن أصحابه لم يزجوا به لمعاكسة الوجدان العام لعموم الشعب المغربي المساند مساندة مطلقة للشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال الصهيوني وضد جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها في حق هذا الشعب الأعزل إلا من إرادته وعزمه على مواصلة كفاحه حتى تحقيق النصر ودحر الاحتلال.

أصحاب هذا الشعار لا يتحرجون من الدفاع عن التطبيع مع الكيان الصهيوني، وفي سبيل ذلك يبدلون جهودا لتغيير نفسية الكائن المغربي تجعله يميل إلى نوع من الانعزالية والانغلاق على الذات، في محاولة لعزله عن محيطه الحضاري والثقافي والزج به في هوية مصطنعة مفصولة عن كل ما يشكل جذوره  ووجدانه وتاريخه. هوية يطلقون عليها ” تمغربيت” سرعان ما يتبين لكل متفحص للغاية منها أن المراد بها هو صهينة الوعي الجمعي للمغاربة، فيصح القول أن ” تمغربيت” هذه المروج لها لا تعني في النهاية إلا ” تصهيونيت”

لم يعرف عن أصحاب الشعار أي اهتمام بقضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير والصحافة، فهم إزاء هذه القضايا الحيوية يلتزمون الصمت، أو يدافعون عن الانتهاكات بمبررات شتى. لا نسمع لهم صوت في مكافحة الفساد والقضاء على الرشوة والريع.

لكي يكون لشعار ” المغرب أولا” حد أدنى من المصداقية، ينبغي أن يكون لأصحابه هذا الحد من المصداقية، وهو ما يفتقدونه، وفاقد الشيء لا يعطيه. والحقيقة أن المغرب ليس بالمطلق أولوية بالنسبة لهم، فالأولوية هي لمصالحهم وامتيازاتهم اولا وأخيرا. لو كانوا صادقين في شعارهم لأرفقوه بشعارات لا تنفصل عنه، إذ لا يكون له معنى بدونها، فشعار ” المغرب أولا” يتطلب ” الديمقراطية  الحقيقية أولا” و “القضاء على الفساد والاستبداد أولا” و” مكافحة الرشوة والريع أولا” و”التوزيع العادل للثروة أولا”

هذه الأولويات غائبة تماما عن أصحاب الشعار، لأنهم بدافع من مصالحهم الطبقية، أصبحت أولويتهم تزييف الوعي ونشر التضليل والمغالطات والانحطاط بالإعلام والصحافة إلى أسفل الدرجات، و الدفاع عن التطبيع وعن الكيان الصهيوني إلى درجة التصريح بأنهم ” كلهم إسرائيليون”  بل إل درجة رفض حكم الجنائية الدولية التي أدانت مجرم الحرب نتنياهو وأخرين بارتكاب الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني

و لاشك أن المعركة مع هؤلاء هي بالدرجة الأولى معركة الوعي والوجدان، فهدفهم  هواجتثات وعي المغاربة بقضاياهم القومية و تغيير وجدانهم حتى ينقطع تفاعلهم وتعاطفهم مع القضايا العادلة للشعوب وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني بما هي قضية تحرر وطني من الاحتلال والاستعمار وتحقيق الاستقلال، ومعركة الوعي الوجدان هذه هي معركة كل المناضلين والحقوقيين والمثقفين  وجميع أحرار العالم حتى ينتصر العدل والحق وينهزم الظلم والطغيان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى