العلاقات المغربية الفرنسية: توترات عابرة ومصالح استرايجية مشتركة
عبد الإله إصباح
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن خلافات و سوء تفاهم في العلاقة بين المغرب وفرنسا، تعود أسبابها حسب البعض إلى الانزعاج الفرنسي من السياسة الإفريقية للمغرب التي قد تشكل تهديدا للمصالح الفرنسية بالقارة السمراء.وتعود بعض الأسباب الأخرى إلى ما يعرف بقضية بكاسوس المرتبطة بالتجسس المزعوم للمغرب على شخصيات سياسية وازنة من النخبة الفرنسية باستعمال البرنامج الإسرائلي المعروف في هذا المجال. وقد انعكست هذه الخلافات من الجانب المغربي في مجموعة من المقالات ومقالات الرأي التي تهاجم فرنسا، وتندد بنزوعها الاستعماري المتواصل اتجاه المغرب، وتدعو إلى العمل على تقليص النفوذ الفرنسي سواء على المستوى السياسي والاقتصادي أو على المستوى الثقافي من خلال إعادة النظر في السياسة الفرنكفونيةالتي تنهجها الدولة منذ سنوات باعتبارها أحد ركائز الهيمنة الفرنسية ونفوذها بالمغرب. ولم تقتصر تجليات هذه الخلافات على المستوى الصحافي وحده, بل امتدت إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتتخذ مظهر حملة شعبية ضد السياسة الفرنسية سواء على الصعيد المغربي إو على صعيد مجمل القارة الإفريقية، وهذا ما تجلى في الترحيب الواسع بالانقلابات الإخيرة التي استهدفت الوجود الفرنسي بمجموعة من هذه الدول
وقد تعود الإعلام الفرنسي أن يقوم من حين لأخر بحملة انتقادات ضد السلطات المغربية، تسهدف واقع حقوق الإنسان وحرية التعبير والصحافة، وعمل في الآونة الأخيرة على انتقاد تعامل السلطات المغربية مع كارثة الزلزال، مركزا على ما اعتبره تقصيرا وسوء تدبير للكارثة برفض مجموعة من المساعدات وعلى الأخص تلك المقترحة من فرنسا. ومع ذلك، ينبغي عدم التعميم في هذا الصدد، لأن هناك منابر وقنوات إعلامية أشادت بتعامل السلطات المغربية و نوهت بالتضامن غير المسبوق اتجاه الكارثة من طرف المواطنات و المواطنين المغاربة. وكان برنامج مبعوث خاص الذي يبث على القناة الثانية الفرنسية نموذجا في هذا المجال حيث استضاف كلا من الزعيم اليساري ميلنشوالذي نوه بجهود السلطات المغربية، والكاتب الطاهر بنجلون المعروفة مواقفه من النظام المغربي.
و لاشك أنه ستزداد حدة التوتر بين المغرب وجزء من الإعلام الفرنسي خاصة بعد إقدام السلطات على ترحيل صحفيين فرنسيين، وإقدام المجلس الوطني للصحافة المغربية على رفع دعوى ضد صحيفتين فرنسيتين بسبب ما اعتبره إخلالا واضحا بأخلاقية المهنة ومسا برموز السيادة المغربية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا التوتر الحالي في العلاقة بين المغرب وفرنسا ليس جديدا، فقد سبق أن عرفت هذه العلاقات توترات سابقة. ففي الستينات دخلت هذه العلاقة في ازمة بسبب قضية الشهيد المهدي بين بركة، حيث عبر الرئيس دوغول عن غضبه الشديد من تورط أجهزة المخابرات المغربية في اختطاف الشهيد على الأرض الفرنسية، وتوترت هذه العلاقة من جديد في بداية الثمانينات إثر فوز الرئيس ميتران بالرئاسة والتي تصادفت مع اعتقال الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، ثم سرعان ما تبدد هذا التوتر بزيارة متران للمغرب سنة 1983
كما توترت هذه العلاقة من جديد بصدور كتاب ” صديقنا الملك ” لصاحبه جيل بيرو وعادت إلى ما كانت عليه مع الرئيس جاك شيراك واستمرت على نفس الإيقاع مع الرئيسين ساركوزي وهولاند
وإذا تجدد اليوم توترها مع الرئيس ماكرون، فإنها أكيد ستستعيد صفاءها قريبا سواء في عهد الرئيس الحالي أو بعد نهاية ولايته القريبة، لآن ما يجمع فرنسا مع المغرب هو أكبر من سوء فهم عابر، ففرنسا لها مصالح اقتصادية استراتيجية بالمغرب، فهي حاضرة بقوة من خلال الفاعل الاتصالاتي العملاق أورانج وحاضرة من خلال عدد من شركات التدبير المفوض سواء لقطاع الماء والكهرباء أو لقطاع النقل الحضري بأهم المدن المغربية. ولها حضور قوي عبر مصنع السيارات رونو بيسان، فضلا عن تواجدها بقطاعات اقتصادية أخرى وازنة، وسبق لها أن فازت بصفقة هامة هي صفقة قطار فائق السرعة T G V.
أما من الجانب المغربي، فلا شك أن البورجوازية بالمغرب غير مؤهلة حاليا لقطيعة محتملة مع الرأسمال الفرنسي، بحكم سياسة التبعية التي نهجتها الدولة اتجاه هذا الرأسمال منذ الاستقلال إلى الآن.