الرأي

الحب في زمن الوسائط الاجتماعية

في زمن الوسائط الاجتماعية نعيش لذة الحب ولوعة العشق بدبدبات الويفي

النواية محمد

قديما تغنى الشعراء بأول عشقهم وحبهم العذري وتغنوا به بأسمى المعاني ووصفوه بأبهى الصور ولعل ما قاله أبي تمام أبلغ وأبدع وما خطه ابن حزم أرقى وأحسن .هذا الإحساس السرمدي الأزلي الذي رافق الإنسان وسما به إلى مراتب عليا في إنسانيته وفي حبه للحياة  فمن لا يعشق لا يحب الحياة ،انه إحساس يجعلك لا تيأس و  يوقظك كلما تمكن منك السهو عن ما يعشقه القلب وما تهفو له الجوارح ، انه نبراس الجمال وضوء القلب .  إن الأحلام الجميلة في حياتنا والأوقات السعيدة هي التي يتربع على عرشها الحب ويظهر فيها كل مرة بصورة مخالفة في جماليتها ’ ويفيق منها العاشق على صباح زاهي بوروده وعصافيره الصداحة بالأغاني .

إن كل حلم من هذه الأحلام الجميلة يلهمك لتبدع في هذه الحياة وتفرغ ما عندك من أحاسيس رقيقة وجياشة نحو كل ما هو جميل ويدفعك لحب الناس والتشبث بالقيم السامية التي تنفر العنف والقهر وكل ما يعكر صفو الحياة .

في زمن الوسائط الاجتماعية نعيش لذة الحب ولوعة العشق بدبدبات الويفي وعلى الأمواج الكهرومغناطيسية وبمناجاة عبر الصور الافتراضية التي لا تستطيع أن تلامس فيها الحياة ،ولا أن تشعر بالدفء والحرارة يجدبانك اليها . كل شيء يمر بسرعة كزمن الأحلام القصير ونحن أجساد ستاتيكية ساكنة . في نقرة خاطفة نسافر الى بقاع العالم عبر أحبال بصرية وأمواج هرتزية دون شعور بلذة السفر ,نجوب اليابسة ونقطع البحار والمحيطات وسط حمام من الإشعاعات الالكترومغناطيسية وإشعاع أجهزة الويفي في البيت والمقهى الذي كان يلمنا للحديث عن الإبداع والفنون بمختلف أنواعها مع الشعراء والأدباء وأصحاب الذوق الرفيع ، والذي يجمع اليوم أفرادا غارقين في حواسيبهم وهواتفهم، لا يأبه أحد بمن  بجانبه في انفصام شبه تام عن المجتمع، حيث جاءت الوسائط الاجتماعية لترمي بنا كل في زاويته أمام محرابه ليمارس رهبانيته مع حاسوبه أو هاتفه الذكي، ,معتقدا انه في تواصل دائم مع العالم قي حين أنه في عزلة تامة مع انسانيته وفضائه الاجتماعي الحي بعيدا عن الأسرة ودفئها .

لقد سجننا هذا العنكبوت العملاق ذو المخالب الممتدة عبر الكرة  الأرضية بين خيوط شركه القاسي ، وقتل فينا طبعنا الاجتماعي الأخلاقي وألفتنا وقربنا لبني الإنسان وحميميتنا وودنا في جمعنا ولهونا وسمرنا وعشقنا لدائرة الجمال الكوني .

لقد تركنا نطل على عالمنا المادي الحقيقي من خلال نوافذه الوهمية المتعددة الألوان والأطياف ، وصارت لنا قنوات افتراضية ننقل عبرها أصواتنا وصورنا ونابت عنا رموز وإشارات ورسومات لتبادل التحية والتهنئة والرسائل الحميمية، وكل ما تفيض به عواطفنا وجوارحنا دون إشباع طبيعي لحواسنا من اشتياق وحنين ولهف ودون الإحساس برد الفعل الآني والشعور بدفء وحرارة الأخر .

حتى الأدب وفنونه صار يكتب على صفحات الحائط الأزرق من طرف أناس لا علاقة لهم به . في زمن الثورة الرقمية أصبح كل شيء يستسهل ويبيح الفوضى ، وتعرضت الكتابة الإبداعية لموجة من التسفيه والاستخفاف الذي يمس وجدان الناشئة ويهدد سلامتها النفسية والوجدانية .

إن أطفالنا اللذين ولدوا في هذا العالم المتوفر على التغطية الشاملة للشبكة العنكبوتية والخارج عن تغطية القيم الاجتماعية والتقارب الإنساني سوف لن يعرفوا معنى الجمال والإبداع والخيال والفن، ولن تكون لهم قدوة في الحياة ، سيصيرون أرقاما في زمن الأرقام وانعدام القراءة ولن تكون لهم القدرة على الكتابة الإبداعية لأنهم بدون ذاكرة ولا مخيلة وذلك لفقدانهم لحلقات النمو الطبيعي للشخصية .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى