ثقافة

كيف تعزز كرة القدم عالم الأشباح؟

حسن أوزال/مفكر مغربي
عندما نتابع مقابلة في كرة القدم عبر البت التلفزي ، فنحن نتابع المقابلة الحقيقية و في الزمن الحقيقي ،لكنها في الوقت نفسه أبعد ماتكون عن صورة(بت) مقابلة في كرة القدم.إذ مع البت التلفزي لا نكون أمام صورة للعالم الواقعي قدرما نكون أمام لحظة” لبس أنطولوجي” على حد تعبير” غانتر أندرس” لما يبت أمام أنظارنا : ذلك أننا مع هذا النوع من الفرجة،إنما نعيش في اللحظة عينها حضورا و غيابا، حقيقة و زيفا،نعيش التواجد في الهنا و اللاتواجد. وفي عز هذا الجدل حيث تحبك بامتياز، لعبة الحضور و الغياب، يصير العالم شبحا fantôme ، سرعان ما يغدو فيه ما نحن بصدد مواكبته ،مجرد شبح لمقابلة حقيقية في كرة القدم .

فالناس الذين يشاهدون الشاشة، ناس مفصولة كليا عن العالم و لا علاقة تربطهم بغيرهم من الآدميين

و إذا كانت الصورة فيما مضى تفترض نوعا من التفاوت الزمني و تنشأ وفق نهج دياكروني مادام المنتج يعمل على استنساخ النسخ انطلاقا من نموذج أولي ، فالصورة المبتوتة عبر التلفاز ،متواقتة مع المايجري و في تزامن تام مع ما يقع. لذلك يكتسي كل عنصر من عناصر الحدث المعروض عبر الشاشة صبغة طبيعية تكاد تفوق في ذلك الصورة الأصلية.فكل عنصر هو عبارة عن منتوج ضمن سلسلة un produit de série يتم استنساخه الاف المرات الى أن يصير هو عينه شبحا يصعب معه التمييز بين الحقيقة و الخيال.

يترك أعضاءه رهينة مهام و وظائف موازية ،علها تسعفه على تبديد الخوف المستشري في جسده بأسره .لذلك تراه أعجز ما يكون على أن يتغدى دون أن يتفرج

فضلا عما سلف يلزمنا استيعابا لمسألة الاستيلاب هاته،استحضار عملية ثانية هي عملية الاستهلاك (استهلاك صور العالم )التي بقدر ما توهمنا بالحضور في العالم بقدر ما تعمل فعليا على تغييبنا منه. فالناس الذين يشاهدون الشاشة، ناس مفصولة كليا عن العالم و لا علاقة تربطهم بغيرهم من الآدميين ،لا لشيء إلا لأنهم بهذا الادمان يفقدون الانتباه ،لينغمسوا في اللحظة بشكل كلي . آيتنا في ذلك ما يلاحظ على هؤلاء من سلوكات نتاج انعدام أدنى ارتباط لديهم بالزمان بحيث لم يعد لديهم من فرط انشدادهم الى شبح الصور المتسلسلة لا الماضي و لا المستقبل ،بل فقط نقطة حضور اللحظة. و بقدر ما يتفنن هذا النظام البارع في جعل الناس أكثر إدمانا على الاشباح بقدرما لا ينفك يخلق أفرادا مفصولة عن العالم؛ لنقل أفرادا منخورة بالخوف و الهلع من الفراغ .و هو الاحساس عينه الذي يكاد يشل قدرات المرء على التفكير ليزج به في وابل من الوضعيات الشاذة حيث يترك أعضاءه رهينة مهام و وظائف موازية ،علها تسعفه على تبديد الخوف المستشري في جسده بأسره .لذلك تراه أعجز ما يكون على أن يتغدى دون أن يتفرج و أن يتناول وجبة الفطور دون أن يبقي على أذنيه لصيقتين بالمدياع و أن يقرأ مجلة دون أن يمضغ العلكة بين فكيه و أن يتمدد على السرير استعدادا للنوم دون أن يقبض الهاتف بين أنامله.

كل ذلك يحدث لأنه يدرك أن عدم الاستهلاك هو ما يزج به في الكآبة. هكذا يجد الفرد نفسه مجبرا على التضحية لا بحريته فحسب بل أيضا بعزلته و هدوئه،طمأنينته و راحته ليتعاطى هيستيريا،ولع الاستهلاك بدءا باستهلاك الأشياء و الصور الى استهلاك الأطعمة و الملابس مرورا بالمجلات و غيرها … فيتحول المرء من حيث هو فرد الى أشلاء فرد .de l’individu au dividu و هاهنا تتجلى خطورة الصورة في مجتمع الفرجة الذي مافتئ ينسج علاقات اجتماعية جديدة غير مسبوقة ،علاقات قوامها الأشباح التي غدت ترمم أخلاقياتنا و تحكم تمظهراتنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى