الرأي

تيفيناغ .. تزيين للواجهات وتهميش للغة

يوسف أزوركي
في الوقت الذي يفترض فيه أن تدمج اللغة الأمازيغية بشكل فعلي في الفضاءات العمومية، بعد مرور أكثر من عقد على دستور 2011، الذي نص في فصله الخامس على أن الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، ومرور قرابة خمس سنوات على صدور القانون التنظيمي 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية. نرى تيفيناغ لا تزال تستخدم في الفضاء العمومي كزخرفة بصرية، بينما النصوص تظل عربية أو فرنسية وغالبا ما تكون خربشات غير مقروءة، ما يعكس استمرار لمنطق ”هذيك غي الأمازيغية“، حيث لا يزال الإعتراف يقتصر على الشكليات دون الجوهر، ويثير تساؤلات حول جدية التنزيل وإدماج الأمازيغية في الفضاءات العمومية؟
مع بقاء شهر فقط على نهاية المدة التي حددها القانون التنظيمي 26.16 للعمل داخل أجلها بأحكام المادة 27 منه، والتي تنص على استعمال اللغة الأمازيغية، إلى جانب اللغة العربية في اللوحات وعلامات التشوير المثبتة على الواجهات وداخل مقرات الإدارات، المرافق والمؤسسات العمومية، السفارات، والقنصليات المغربية بالخارج وكذا في الطرق، المحطات الطرقية، المطارات، الموانئ والفضاءات العمومية الأخرى. هذه المدة المتمثلة في خمس سنوات على الأكثر ابتداءا من 26 شتنبر 2019 تاريخ نشر القانون بالجريدة الرسمية، أصبح الحرف الأمازيغي يشغل مساحات ملحوظة في الفضاءات العامة، رغم أن العديد من المؤسسات والمرافق العمومية تصر على تتجاهل هذا القانون، بينما يرتكز البعض الأخر على الشكل دون المضمون، أي يقتصر على إظهار تفيناغ على الواجهة دون ادنى مراجعة أو أي اهتمام بالمضمون.
رغم الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف، فإن الخروقات التي تُرتكب في تطبيق هذا القانون تشير إلى حاجة ملحة لتعزيز الرقابة والمراجعة اللغوية، لضمان صحة النصوص، وأن لا يتحول حرف تيفيناغ إلى مجرد “لغة زائفة”، تُستخدم لإرضاء الضمير الجمعي، دون أن تُحقق الحضور الحقيقي للغة الأمازيغية في الفضاءات العامة. إذا كان الهدف من تفعيل هذا القانون هو تحقيق إدماج فعلي للغة الأمازيغية في إطار مسلسل الإعتراف، فمن الضروري أن يكون هذا الإدماج حقيقيًا، بحيث يتجاوز حدود الشكليات ويصل إلى جوهر الاستخدام الصحيح والفعّال لهذه اللغة.
إذا تأملنا الوضع من زاوية أخرى، نتساءل: هل كانت أي مؤسسة عمومية ستقبل بخطأ في اسمها أو في أي ملصق على واجهاتها أو مرافقها إذا كان ذلك الخطأ يتعلق باللغة العربية أو الفرنسية؟ رغم أن الأخيرة ليست رسمية، بالتأكيد لا، لن تسمح بذلك. عندما يتعلق الأمر بهاتين اللغتين، نرى حرصا شديدا على الدقة اللغوية والمراجعة الدقيقة لكل حرف وكل كلمة، لأن الأخطاء في هذه الحالات تُعتبر إخلالا بهيبة المؤسسة ومصداقيتها. ولكن، عندما يتعلق الأمر باللغة الأمازيغية، نجد أن التسامح يتجاوز الأخطاء اللغوية والإملائية، والإشكال أن هذا الأمر يكاد يكون القاعدة وليس الاستثناء، وكأن هذه اللغة لا تستحق نفس مستوى العناية والاهتمام.
من الضروري أن تتحمل الدولة ومؤسساتها المسؤولية الكاملة في ضمان دقة النصوص الأمازيغية في الفضاء العمومي، وأن تعمل على إجبارية التصحيح والمراجعة الدقيقة للنصوص المكتوبة باللغة الأمازيغية، فالقانون التنظيمي لا يقتصر على إدراج حرف تيفيناغ، بل ينص على إدماج اللغة الأمازيغية، ويجب أن نعي أن إدماج اللغة الأمازيغية في الفضاءات العامة ليس مجرد قضية رمزية تتعلق بالحرف، بل هوتجسيد فعلي لهويتنا الراسخة وثقافتنا المتجدرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى