مذكرات

أجساد بلا قدر(7) .. نص متسلسل لنعيمة أدرع

السكوت علامة الرفض

نعيمة أدرع/كاتبة مغربية

الصمت، وحده الصمت دون حراك، قبل أن يجيب والدي: «السكوت علامة الرضى». عاصفة غمرت أنفاسي: «أي رضى يعنيه السكوت يا سيدي؟! أي رضى يعنيه السكوووووت؟! السكوت علامة رفض يا والدي العزيز؟!السكوت ثورة حارقة تصرخ بسخط وغضب…. ولكن، ولَمّا يكون الرفض أكبر من الكلمات، فإن الصمت يحل محل الكلام.» ووضعت نقطة على كلامي الحارق داخلي وعدت إلى المرأة التي بدورها تناولت القلم ووقعت حيث قدر أني وقعت.
جمع الكاتب مجلده وغادر يتبعه رجلان، وهو يتناول ظرفا من والدي، على الأرجح يضم أوراقا مالية محترمة. وقبل أن يغلق والدي جرابه المطرز بالحرير والصم الحر، تزينه حبيبات سوداء، لست أدري لماذا صففت على شكل خنجر على جراب لم أره يفارق والدي يوما، تناول ظرفا آخر، أكبر حجما وناوله الرجل قائلا: «المهر».
حتى الآن لم أفهم كلمة واحدة ولا إشارة واحدة. وما شأني أنا بالأمر؟! إن معادلة الكيمياء، التي أعمل عليها، أحوج أن أفكر فيها الآن، بدلا من هذه الطقوس الغريبة والغبية.
ما إن أسدلت الستار على أفكاري – كعادتي – حينما أكون في وضع يُزج بي فيه باسم التقاليد، حتى أهرب إلى محبوبتي الكيمياء التي تغدق علي السيروتونين فأهب نشطا لفك طلاسمها والتسكع على جسدها الذي يشبه أجساد العاهرات. العاهرات؟! لكن ماذا تعني هذه الكلمة التي أستعملها دوما وأنا أصف محبوبتي؟!هل هي وصفة سرية وجب اكتشافها كي أحل بها معادلة يستعصي على حلها؟! على أي لا يهم، هذا مصطلح أخذته بالتقليد الأعمى عن مدرس الكيمياء في الكلية، فهو من كان يقول: «الكيمياء كالعاهرات، لها جسد مثير وقلب حزنه كبير، لها وجه مليح يشوهه معيش قبيح، لها أرجل، ولكنها لا تفتح إلا آخر الليل، ليتوه مريدوها في لذة لا يبددها إلا ضوء الشمس».
أرأيتم أصدقائي كم قاموسا أحتاج لفهم أشياء عديدة. فأنا لا أفهم حتى أنني لا أفهم شيئا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى