في تخوم مراكش انطلاقا من أبوابها
من ساحة بن يوسف تتفرع أجنحة للاختصاصات الحرفية بكل أنواعها في نظام بديع
محمد النواية
بدخولك باب من أبواب سور مراكش ؛ يَقِلٌ الضوء الكثيف عند وصولك أول زقاق في أول حي أو حومة بدروبها الضيقة وحيطانها العالية التي تكاد تلتقي . وأنت تُكْمِلُ مسارك فإذا بك في ساحة أو ما يسمى ” تربيعة الحي” بنورها الساطع وأصواتها الممتدة في الأجواء ، هي فضاء للتجمع في المناسبات والترفيه ومتنفس للأطفال .
عند نهاية الساحة تستقبلك حومة أخرى بنفس النسق في مظاهرها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية .تعيش في مسارك هذا لعبة الضوء والظل ،ظل في الزقاق بدروبه يمينا ويسارا وإنارة تبهرك في الساحات ؛ لوحة جديدة تتشكل في كل فترة من فترات النهار باختلاف الزوايا التي تطل منها الأنوار إلى أن تصل إلى المركز “الساحة الكبيرة” التاريخية “جامع لفنا” التي تصلها أو تصب فيها كل أبواب المدينة حيت يغيب الظل وتمرح الشمس في السماء شرقا وغربا بلا منازع ولا حواجز لتدفئ الساحة شتاءا وتحرقها صيفا ؛ هنا تنتهي المتاهات في نقطة كانت هي المركز؛ “قصر الحجر” و”مسجد الكتبية القديم” .
في مسعاك لاكتشاف أغوار الحضارة وأسواق المدينة العتيقة لا بد أن تكون الانطلاقة من مسجد ابن يوسف بن تاشفين الذي ينطلق من حواليه المركز التجاري ألمرابطي الأول على شكل مجمع حرفي صناعي وشبكة من الفنادق التقليدية وهي بنايات متعددة المهام ومكان لاستراحة الجياد والبهائم وورشة للعمل .في هذه الفنادق كان ينزل التجار بقوافلهم التي تزود المدينة بحاجياتها من سلع وبضائع ومواد أولية للصناع .من ساحة بن يوسف تتفرع أجنحة للاختصاصات الحرفية بكل أنواعها في نظام بديع يحتفظ إلى الآن على شكله ، لكن الكثير من هذه الحرف لم يبق منها إلا الاسم ،جلها اندثرت وتلاشت جراء منافسة الصناعات الحديثة فتحولت دكاكينها لمنتجات سياحية جديدة وأخرى لبضائع وأشياء فرضتها التحولات التجارية لهذه الأماكن؛ نذكر من هذه الأسواق النجارين ، السراجين ؛ اللبادين ؛الشكايرية ،الصباغين،الكيماخين؛ الحرارين ،الزنايدية ؛لمضامية؛ التكموتيين ؛لبزاطمية الستارمية الخ..الأسواق لا تنسى رائحتها ، فمن سوق الجلد ؛ العطارين ؛ الحدادين ومزيج من الروائح التي تنبعت من المحلات ومن سقوف بعض الأسواق والقيصاريات ومن الأزهار المقطرة وعطر الأعشاب في سوق الغاسول وأنواع الصابون التقليدي وأدوات ومنتجات الزينة التقليدية الخاصة بالنساء ؛وما ء الورد وأزهار البادنج إلى درجة أن الأعمى بأنفه يجد طريقه بسهولة في هذه الأسواق.أجواء هذه الأسواق تعمها روابط العمل الحرفي التقليدي وتقاسم المشترك الاجتماعي الحرفي المتمثل بالجماعة الحرفية، التي يسودها التآزر وكل أشكال التضامن والتعاون .كانت كل حنطة منظمة في تعاونيات برئاسة أمين الحنطة ، كانت لهم مناسبات للفرح والتنزه وأمسيات للإنشاد والتفكه .هذا التنظيم التقليدي للحرف بدأ يتعرض بسبب العولمة ومختلف التحولات السوسيو مجالية والاقتصادية إلى مجموعة من التغييرات والتعديلات التي تفككت معها جل الروابط والقيم وتقنن المشترك الاجتماعي الحرفي المتمثل بالجماعة الحرفية ؛وسادت الفر دانية والغش وبعض السلوكيات التي جردت الحرف من خصوصياتها التقليدية المتميزة وتبين أن المعايير الحرفية من تقاليد وعادات وأعراف وقواعد الأخلاق التي كانت تتميز في السابق بالتلقائية والإلزامية أصبحت اليوم تتميز بالنسبي والجزئي والاختياري بسبب القيم التي غزت التنظيم الحرفي .