كيف تحدث بول فيريليو عن السرعة و الحرب الشاملة؟

بقلم ماكنزي وارك 

الغريب أن بول فيريليو، الذي توفي في 10 سبتمبر/أيلول 2018 عن عمر يناهز 86 عاماً، اخترق العالم الناطق باللغة الإنجليزية بكتاب لم يكتبه بالضبط.  يتعلق الأمر بكتاب Pure War  الصادر في عام 1983 وهو مبني على مقابلات أجراها مع سيلفير لوترينجر، الفيلسوف ومؤسس Semiotext(e)، و الذي جمعته به صداقة حقيقية. انفجر هذا الكتاب مثل قذيفة حارقة في أذهان بعض القراء وسلط الضوء على موضوعين ثابتين: الحرب والسرعة.

الحداثة هي حرب على مستويات متزايدة: التوسع من التكتيكي إلى الاستراتيجي إلى اللوجستي.

كان حب فيريليو الأول هو الهندسة المعمارية. ولكن ما هي الهندسة المعمارية في عصر الحرب الشاملة؟ لعدة قرون، دافعت المدينة الأوروبية عن نفسها ضد المقالع والسهام بالأسوار والجدران، لكن  المدينة اليوم لم تعد قادرة على مواجهة القصف المدفعي والجوي الحديث. تحول التوازن بين الحرب والمدينة بشكل حاسم في العصر الحديث. المتجه يتفوق على الموقع. كان هذا هو الموضوع الحلو والمر لكتابه الرئيسي الأول، علم آثار بنكر (1975)، والذي، من بين أمور أخرى، هو تأمل في الدفاعات الألمانية التي فشلت في إبقاء الحلفاء في مأزق عندما اقتحموا الشواطئ وأنهوا الحرب.

لكن الحرب لا تنتهي حقًا، كما لاحظ فيريليو، بل إنها تتسارع وتقترب أكثر من شكلها النقي. وفي عصر مفتون بـ “سياسة” كل شيء، كان يفكر بدلاً من ذلك في الحرب. الحداثة هي حرب على مستويات متزايدة: التوسع من التكتيكي إلى الاستراتيجي إلى اللوجستي. لم ينتصر الجنرالات في الحرب العالمية الثانية، بل فاز بها قادة التموين، أي أولئك الذين احتفظوا بأكبر تدفق من الأحذية والرصاص والجثث تتحرك نحو الجبهة.

لم ينتصر الجنرالات في الحرب العالمية الثانية، بل فاز بها قادة التموين، أي أولئك الذين احتفظوا بأكبر تدفق من الأحذية والرصاص والجثث تتحرك نحو الجبهة.

الحداثة هي أيضًا حرب على المزيد والمزيد من أنواع التضاريس. ولم تقتصر الحرب على الجو فحسب، بل انتقلت إلى موجات الأثير. العالم الحديث هو حالة من حرب المعلومات المعممة. ليست الهندسة المعمارية عرضة للقنابل فحسب، بل إنها تثبت عجزها عن الدفاع عن نفسها ضد المعلومات، التي تمر عبر أبواب وجدران منازلنا، وتعيد ترتيب المكان والزمان الذي نتخيل أننا نعيش فيه.

لقد قلبت حرب المعلومات قوة الهندسة المعمارية والاتصالات. المنزل أو المدينة معرضة الآن لتدفقاتها. وقد تكون العواقب أبعد مدى. إن ناقلات الاتصال تدعو إلى ظهور جغرافيا سياسية جديدة بالكامل – ليس من الأقاليم والحدود ولكن من الاتصالات والبنية التحتية الحاسوبية. لقد شهد بالفعل في أواخر القرن العشرين ظهور أنواع الصراعات التي نحياها الآن، حيث يقوم قراصنة مجهولون بإغلاق محطات الطاقة عن طريق التحكم عن بعد، ويقوم طيارو الطائرات بدون طيار في منشآت في نيفادا، بتوجيه الروبوتات القاتلة المحمولة جواً على الجانب الآخر من العالم.

لقد تغلبت السرعة التقنية بالفعل على زمن التداول السياسي. وقال إن هذا ليس عصر الديمقراطية، بل عصر “ديمقراطية” عهد السرعة.

إن النبرة التي يكتب بها فيريليو عن مثل هذه الأشياء هي توازن بارع بين الكآبة والانبهار. ليس هناك عودة. لقد انتهى العالم المحلي القديم البطيء. وهو في أفضل حالاته يتجنب الأسلوب المبتذل لكلا النوعين من الكتاب في مجال التكنولوجيا: هؤلاء الذين يشعرون بالحنين إلى عالم قديم، وأولئك المتحمسين لكل ما هو جديد. إنه يتبنى أسلوبًا يجعل الكتاب العصريين حاليًا حول هذا الموضوع، زائدين عن الحاجة. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك عمله الشهير الآخر، ” الكمية غير المعروفة“ (2002)، حيث يدعونا إلى التفكير في كيف أن كل تكنولوجيا جديدة  تجلب معها نوعًا خاصًا وجديدًا من الحوادث.

لم يكن فيريليو عالمًا أخلاقيًا. لقد لاحظ، وتكهن، وقام بتعديل المفاهيم ليشرح بسرعة ما يحدث لنا. ولم يكن متفائلاً. لقد تغلبت السرعة التقنية بالفعل على زمن التداول السياسي. وقال إن هذا ليس عصر الديمقراطية، بل عصر “ديمقراطية” عهد السرعة. لكنه فكر كثيرًا في التكتيكات في العالم المتسارع وضده. كان الخط العام للتكتيكات التي دعا إليها يهتم بالوقت، وإمكانية مقاطعة الوقت المتسارع. المدينة هي بالفعل شبكة من الأوقات البطيئة والسريعة، ولكن ربما في بعض الأحيان يمكن إنشاء جيب جديد من السكون.

ولم يكن من دواعي سروره أن يرى الاتجاه العام لتكهناته يتجلى بشكل مذهل في عصرنا. إنه واحد من هؤلاء الكتاب المميزين (والملعونين إلى حد ما) الذين كانوا على حق بشأن أشياء لا نريد حقًا أن نعرفها.

المصدر: FRIEZE