الملكية البرلمانية ومحاربة الاستبداد وحليفه الفساد ( الجزء الثاني)
مطلب الملكية البرلمانية، من الشعار إلى آليات وخطوات الانجاز
إن تبني الحزب الاشتراكي الموحد لمطلب الملكية البرلمانية رسميا ومؤسساتيا منذ عقدين، هو تعبير عن وعي جمعي ونضج كبير للمناضلات والمناضلين. ذلك أن تحقيقه في ظل ميزان القوى الراهن، يعد هدفا ثوريا ممكنا بامتياز وخطوة كبيرة في المسيرة النضالية للشعب المغربي.
فمطلب الملكية البرلمانية مطلب منطقي، معبئ للجماهير، محرج للنظام السياسي وللقوى الامبريالية الغربية، وذلك لعدة اعتبارات :
- إنه مطلب من شأنه تعبئة واستمالة نسبة مهمة من المواطنين من الطبقات الشعبية والمتوسطة ومختلف الطبقات بما فيها البرجوازية الوطنية الناشئة والديناميات المواطنة الشعبية، عكس المطالب الأخرى كالحديث عن النظام الجمهوري أو نظام الخلافة … المثيرين للخوف من اللاستقرار وانعكاساته السلبية.
- كما أنه مطلب محرج للاستبداد ولرأسه في مربع الحكم كقوة سياسية مهيمنة، يحرجه بعمقه المنطقي الموضوعي والسلمي دون نزعة استعداء، مطلب مبني على أساس اعتماد الديمقراطية كمعيار كوني لأنظمة الحكم الحديثة.
- ولكونه مطلبا محرجا للقوى الامبريالية الغربية ومحفزا ومطمئنا لها على مصالحها الاقتصادية بالمغرب والمنطقة المغاربية والإفريقية خاصة في ظل نظام الكوكبية.
- مطلب من شأنه تحييد القوى الداخلية المقاومة للتغيير وفتح إمكانية استمالتها.
هذا المطلب الموضوعي، المعبئ للشعب والمجتمع وللقوى الداخلية، والمحرج والمطمئن للنظام السياسي وللقوى الامبريالية، رغم مزاياه وقوته، تم استهلاك ترديده ورفعه خلال العقدين الأخيرين، مما يستدعي من قوى اليسار وعلى رأسها الحزب الاشتراكي الموحد الانتقال من مجرد مطلب/شعار إلى التفكير في وضع تصور متكامل يؤسس لآليات وسبل وخطوات تحقيقه على أرض الواقع.
وكمساهمة في هذا المنحى، تشير هذه الورقة إلى النقاط والأفكار التالية:
- تشخيص حقيقي للطبيعة التنفيذية للنظام السياسي بالمغرب وتبيان كلفة الاستبداد والتسلط على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية والثقافية-الفكرية على مستقبل البلد.
- تبني منهجية الاحتجاج المبدئي السلمي على القرارات الخاطئة للاستبداد.
إن الاحتجاج السياسي والميداني على القرارات الخاطئة للاستبداد تعطي أكلها وتؤثر سلبا وبقوة عليه وعلى تسلطه ( نشير هنا إلى واقعة وصدى الاحتجاج ضد قرار الملك العفو على مغتصب الأطفال السيئ الذكر التي أرغمت رئيس البلاد على النزول من سدته/عرشه وإصدار بلاغات الاعتذار وطلب السماح من اسر الضحايا مباشرة على شاشة التلفاز).
وهناك العديد من القرارات الخاطئة للاستبداد، بكل مستوياته وأدواته وبنياته، أتاحت فرصا سانحة للاحتجاج السلمي لكنها مرت مرور الكرام، نذكر منها على سبيل المثال:
- قرار التستر على الفساد من خلال حادث تقرير مؤسسة مجلس المنافسة في صيغته الأولى السابقة، وما تلاها من قرارات لطمس الملف.
- قرار تعيين رئيس الحكومة الحالي رغم تورطه في الفساد في ملف المحروقات ذات الصلة بتقرير مجلس المنافسة السالف الذكر،
- قرار تعيين رئيس مجلس النواب الحالي المتورط، بدوره، في إصدار شيكات بدون رصيد،
- قرار اغلاق شركة لاسمير والتورط المكشوف للوبي المحروقات، وخاصة الطرف المهيمن داخله، في إقبار هذه الشركة التي من أهدافها ضمان الأمن الطاقي لبلدنا. لقد قامت “جبهة انقاذ مصفاة لاسمير” بمجهودات جبارة للترافع والاحتجاج في فضح هذا القرار المشؤوم وعواقبه المدمرة، لكن القوي اليسارية والديمقراطية لم تكن في الموعد حقا ولم تول القضية الاهتمام اللازم.
- تبني قوى اليسار لمهمة الترافع والاحتجاج على إصدار الأحكام القضائية باسم الملك، ورص صفوفها لهذه المهمة ذات العمق الفكري والحقوقي،
- الترافع لإلغاء البروتوكول المخزني المذل وجميع أشكال التقديس التي استمرت وازدادت حدة واتساعا بالرغم من كل محاولات التخفيف من بعض مظاهرها في الدستور.
- الترافع والدفاع الدائم عن حرية التعبير والرأي بشكل مبدئي غير مشروط، والقطع مع المبرر المخاتل الذي ينمي ويكرس ” الرقابة الذاتية للمناضلين وعموم المواطنين”. يمكن، هنا، استحضار حالة الرفيق محمد اليوسفي المتابع سابقا، بتهمة تدوينة تفيد مسؤولية رئيس البلاد عن انتشار الفساد. وفي هذا الإطار، وجب التأكيد على أن تدوينة الرفيق تدخل في اطار حرية التعبير وحق انتقاد الملك كمسؤول متمسك بسلطاته التنفيذية. بل إن مثل هكذا عمل يدخل في صميم الترافع لأجرأة مطلب الملكية البرلمانية.
العلمي الحروني, فاعل سياسي