حسن أوزال/ مفكر مغربي
“تحتاج السلطة إلى حزننا كي تجعل منا عبيدا و يحتاج المستبد و الكاهن و سالبو الأرواح إلى إقناعنا بأن الحياة صعبة وثقيلة.” جيل دولوز
لقد سبق لي أن كتبت ثلاث مقالات حول حراك رجال و نساء التربية بالمغرب، محاولا قدر المستطاع الوقوف عند هذا “الحدث”و مساءلته باعتباره حدثا غير مسبوق في تاريخ المغرب، يعكس بزوغ أسلوب جديد للمقاومة السلمية .
ذلك أن الحظ الوحيد بالنسبة للناس لا يوجد إلا في صيرورتهم- الثورية باعتبارها وحدها ما يُيسِّر لهم إمكانية الوقوف في وجه الذل والمهانة ،استعادة لكرامتهم.
يتعلق الأمر إذن بالتفكير في التنسيقيات التي ظهرت في هذا الحراك باعتبارها مايدعونا إلى تغيير تصوراتنا السياسية التقليدية للنضال وبخاصة منها تلك التي ما فتئت تُغلِّب قضية الطبقات على قضية الأقليات.ذلك أن الطبقة تصور ديالكتيكي أكثر ارتهانا بآفاق ثورية مستقبلية واعدة منه بالصيرورات–الثوريةles devenirs-révolutionnaires الراهنية.لعل ما ينبغي الإنتباه إليه و الحالة هاته إنما هو كما سبق لـ”دولوز” أن أكد ،مآلات الثورات التي غالبا ما تجيء مُخيِّبة للآمال.وحتى لا يلتبس علينا الأمر وجب الفصل هاهنا و التمييز بين أمرين إثنين : مستقبل الثورات في التاريخ من جهة أولى و الصيرورة-الثورية للناس من جهة ثانية.
بدو أن ما يمنح هذه التنسيقيات قوة على أرض المعارك إنما هو جرأتها على ممارسة العمل السياسي كتجربة راهنية غير قابلة للتأجيل.
ينبهنا دولوز هنا إلى مسألة في غاية الأهمية بمكان مؤداها أن الأمر لا يتعلق بنفس الناس في الحالتين السالفتي الذكر،ذلك أن الحظ الوحيد بالنسبة للناس ليس يوجد إلا في صيرورتهم- الثورية باعتبارها وحدها ما يُيسِّر لهم إمكانية الوقوف في وجه الذل و المهانة ،استعادة لكرامتهم. وإذا كان المجتمع يتحدد بخطوط هروبه أكثر منه بتناقضاته على حد تشريح صاحب الفلسفة الريزوماتية،فذلك ما يدفعنا إلى استحضار التنسيقيات كأقليات مافتئت تبتكر “آلات حربية”des machines de guerres فريدة من نوعها و تخلق سلسلة من فضاءات- الزمان des espaces-tempsجديدة تسهر بروح منقطعة النظير و في كل حين على تعبئتها على نحو مُخلخِل لنموذج جهاز الدولة التقليدي سواء بأحزابه أو نقاباته .إن التنسيق إذن آلة حربية تجمع علائقيا بين تعدديات غير متجانسة قوامها التعاطف و التعاون العفوي حتى ولئن كانت الطبائع مختلفة.
مايهمنا هنا أيضا إنما هو هذا الجديد الذي نستشرف تباشيره و الذي دعوته في مقال سابق بـ”الروح المقاولاتية” التي اقتحمت طولا وعرضا كل أسلاك التعليم و صارت تنتشر كـ”كفاية أساسية”compétence de base لا تبغي فحسب ،تحويل الأفراد إلى مجرد أدوات للربح داخل النظم الليبرالية،بل تبغي أيضا جعلهم يقدسون المال رغبة في متعة الإمتلاك لا متعة الوجود.
فضلا عن ذلك يبدو أن ما يمنح هذه التنسيقيات قوة على أرض المعارك إنما هو جرأتها على ممارسة العمل السياسي كتجربة راهنية غير قابلة للتأجيل.تجربة تستدعي من جل عناصر التنسيق مع ذلك التحلي بالحذر وهم يخطون جنبا إلى جنب فوق مسطح الفرادات المتعددة .ذلك أن “حذر التجريب” la prudence de l’expérimentationعلى حد قول دولوز يتطلب أول مايتطلب القدرة على إنشاء جذمور و الفلاح في المهمة.”لكن المشكلة و الحالة هاته هي أنكم لا تعرفون مع من ستنشؤون هذا الجذمور مثلما لا تعرفون أي غصن تحت الأرض سيعطينا بالفعل جذمورا؟أي غصن سينخرط في الصيرورة و سيتكاثر في صحرائكم؟”.لعل مايهمنا هنا أيضا إنما هو هذا الجديد الذي نستشرف تباشيره و الذي دعوته في مقال سابق بـ”الروح المقاولاتية” التي اقتحمت طولا وعرضا كل أسلاك التعليم و صارت تنتشر كـ”كفاية أساسية”compétence de base لا تبغي فحسب ،تحويل الأفراد إلى مجرد أدوات للربح داخل النظم الليبرالية،بل تبغي أيضا جعلهم يقدسون المال رغبة في متعة الإمتلاك لا متعة الوجود. إلى هذا الحد يتبدى أننا بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى ممارسة سياسية ثورية تكفل لنا ابتكارعلاقات اجتماعية جديدة تستعيد معها الأقليات حق الكلام الذي سحب منها لعقود خلت .لكن الكلام بدوره اليوم أصيب بعدوى التواصل ،ولم يتبقى أمام الأقليات إلا أن تبدع أشكالا أخرى مغايرة للتواصل ذاته ،إن لم نقل بالأحرى مضادة للتواصل على نحو مقاطع الكهرباء des interrupteurs انفلاتا من الرقابة.