مابعد فوز حزب “الحرية” في الإنتخابات العامة الهولندية
لوسات أنفو خديجة بنيس
يُعَد فوز حزب “الحرية ” في الإنتخابات العامة الهولندية، واحداً من التحولات السياسية الأوروبية الأكثر أهمية في السنوات الأخيرة؛ حيث يمهد الطريق لتعيين هولندا أول رئيس وزراء جديد لها منذ 13 عاماً. ويعزى فوز حزب الحرية وفق مركز إنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية؛ إلى عدد من العوامل، بما في ذلك موقف الحزب القوي بشأن الهجرة، وانتقاده المؤسسة السياسية القائمة، وهو ما قد يثير العديد من التساؤلات حول مستقبل السياسات الداخلية والخارجية التي من المتوقع أن تنتهجها هولندا تحت قيادة اليمين المتطرف المحتمل تشكيله للحكومة.
وصف المركز في تقريره انتصار حزب الحرية اليميني المتطرف بانتصار مفاجئ، وأفاد التقريرأن هذا الإنتصار سيكون له آثار كبيرة على السياسات الهولندية داخلياً وخارجياً، خاصة إذا نجح فيلدرز في تشكيل حكومة ائتلافية جديدة، ويعكس فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الهولندية تحول المزاج العام للناخبين الهولنديين، واستياءهم من عدد من الأزمات والقضايا الداخلية، وفي مقدمتها قضية اللاجئين، والاعتقاد بأنهم تهديد أمني واقتصادي وثقافي لهولندا، كما أن ارتفاع أسعار الطاقة الناجم عن حرب أوكرانيا والعقوبات المفروضة على النفط الروسي كان عاملاً رئيسياً داعماً لفرص حزب الحرية.
وأشارمركز MIR أنهمن المرجح أن يؤدي موقف حزب الحرية القوي بشأن الهجرة إلى سياسات هجرة أكثر صرامة، بما في ذلك زيادة الضوابط على الحدود، وخفض حصص طالبي اللجوء، ومعايير أهلية أكثر صرامة لجمع شمل الأسرة؛ إذ تعهد فيلدرز بالحد من “تسونامي اللجوء” وضمان “استعادة الهولنديين لبلادهم”، ومن ثم فإن من شأن فوزه أن يرسل موجات صادمة عبر الاتحاد الأوروبي، الذي يكافح من أجل استيعاب المهاجرين من أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا.
ووفق تحليل مركز إنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية فإن انتصار خيرت فيلدرز كان بمنزلة صفعة أخرى للاتحاد الأوروبي؛ حيث يمكن أن يؤثر موقف الحزب المتشكك في أوروبا على السياسات الهولندية داخل التكتل ، وقد يدعو إلى خفض المساهمات الهولندية في ميزانيته، وفرض ضوابط أكثر صرامة على الحدود، واتباع نهج أكثر قومية في عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن رغبة فيلدرز أيضاً في إجراء استفتاء على مغادرة الاتحاد ، فيما يعرف إعلامياً بـ”Nexit”؛ وذلك بعدما كانت هولندا في عهد روته لاعباً رئيسياً في الاتحاد الأوروبي ومساهماً كبيراً في ميزانيته؛ لذا فإن فوز حزب يريد إجراء استفتاء على مغادرة الكتلة أمر مقلق بالنسبة إلى زعماء التكتل.
ومن المنتظر أن تشهد العلاقات بين هولندا وإسرائيل مسارا جديدا لكون فيلدرزيتبنى خطاباً داعماً لتل أبيب، بل ما يزيد الأمور سوءاً وفق المركز هو تصريحاته بأن “الأردن هي الدولة الفلسطينية، وأن تغيير اسمها إلى فلسطين سيضع حداً للصراع في الشرق الأوسط ويعطي الفلسطينيين وطناً قومياً”. بالإضافة إلى ذلك، فقد وعد أيضاً بنقل السفارة الهولندية في إسرائيل إلى القدس لإظهار الدعم لـ”الصديق المقرب إلى هولندا والديمقراطية الحقيقية الوحيدة في الشرق الأوسط”، على حد تعبيره، ولا سيما وصفه إسرائيل بأنها خط الدفاع الأول للغرب.
ومن المتوقع أن تتراجع هولندا عن الالتزامات الدولية بقضايا المنا، بحيث تتفق جميع الأطراف الرئيسية على أن هولندا بحاجة إلى أن تكون محايدة مناخياً بحلول عام 2050، باستثناء فيلدرز الذي يريد مغادرة اتفاق باريس؛ وذلك في ضوء خطته لانسحاب بلاده من التزاماتها الدولية المتعلقة بالمناخ، كما قد يتركز الخلاف الرئيسي حول الطاقة النووية؛ فبينما يؤيد عدد أكبر من أحزاب اليمين والوسط بناء محطات نووية جديدة، فإن زعيم تحالف حزب العمل والأخضر فرانس تيمرمانز، قد عارض هذه الفكرة، معتبراً أنها محفوفة بالمخاطر ومكلفة وصعبة.
وخلص تقرير إنترريجونال للتحليليلات الإستراتيجية إلى أن الانتخابات البرلمانية الهولندية كشفت عن تحول كبير في مشاعر الناخبين، فضلاً عن إعادتها لتنظيم المشهد السياسي في البلاد، بعدما غيرت جذرياً التوجهات السياسية والاقتصادية للبلاد، خاصة أنه يمكن أن نعزو صعود حزب “من أجل الحرية” إلى السخط المتزايد على الطبقة السياسية الراسخة، وتعبئة الناخبين الجدد، وغير ذلك من الاتجاهات التي تسلط الضوء على التحديات التي يواجهها المجتمع الهولندي في معالجة القضايا، وعلى رأسها قضية الهجرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الآثار المترتبة على هذه الانتخابات لا تزال بعيدة المدى، ومن المرجح أن تغير من شكل الديناميكيات المجتمعية في البلاد لسنوات قادمة، نظراً إلى الاختلافات الجوهرية التي يتمتع بها اليمين المتطرف.