الحزب الإشتراكي الموحد، إلى أين؟
لوسات أنفو، سعيد الفاضلي
عضو سابق بالمجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد
عقد الحزب الإشتراكي الموحد مؤتمره الوطني الخامس، أيام 20-21-22 أكتوبر 2023 بالمركب الدولي ببوزنيقة بعد مرور 6 سنوات على عقد أخر مؤتمر له.
كان الأمل كبيرا في أن تكون هذه المحطة التنظيمة فارقة ومحددة في تاريخ الحزب، بالنظر لإعتبارات عديدة منها الموضوعي والذاتي:
أولا السياق الدولي المتحرك والمتسم بإشتداد الأزمة العميقة للنظام الرأسمالي، وما يستتبع ذلك من انهيار لكل مقوماته القيمية والأخلاقية والإجتماعية والسياسية والإقتصادية، وما نعيشه اليوم من حروب ودمار وظلم وتبعية ونفاق دولي جلي وواضح، يعفينا من التفصيل .
طبعا وبالنتيجة مادمنا في نظام تبعي، فالوضع على المستوى الوطني لن يكون أقل سوءا مما هو عليه دوليا، حيث التدخل المباشر للمؤسسات المالية في السياسات العمومية زاد من إضعاف الدولة وتقوية الخواص وتعميق الفوارق الإجتماعية والمجالية، وخلف ضحايا من مختلف الفئات والطبقات، وهو ما تجسده اليوم الحراكات الإحتجاجية المستمرة والمتوسعة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى الحزب يعيش وضعا صعبا نتيجة لأزمتة الداخلية، تنظيميا وسياسيا وإعلاميا وجماهيريا .
فالحزب الإشتراكي الموحد وبعد أزيد من عقدين من الزمن على أول تجميع لمكوناته، وبعد كل محاولاته للتنسق والتحالف مع أحزاب اليسار الديمقراطي، بهدف تشكيل قوة سياسية مؤثرة.
لكنه مع الأسف الشديد فشل فشلا دريعا، فلا هو أصبح موحدا – الانشقاق الأخير قبيل الإنتخابات – ولم يكن كذلك حتى قبل الانشقاق، ولم يصبح قويا بل ازداد ضعفا بعد كل محطة تنظيمية، ووضعه الحالي يؤكد ذلك سواء داخل المؤسسات المنتخبة أو في الإطارات الجماهيرية أو أداء مؤسساته وطنية كانت أو محلية، بل حتى علاقاته التنظيمية وطبيعة التواصل بين قياته وقواعده .
انطلاقا مما سبق كان يفترض في محطة المؤتمر أن تكون محطة مفصلية، للوقوف على كل الأعطاب وتقييم الأخطاء وتحقيق مصالحة مع الذات والهوية وفتح نقاش حقيقي بشأن مشروع الحزب، والانفتاح على مناضلات ومناضلي اليسار الديمقراطي والتقدمي.
إلا أنه وبالعودة – دون تفصيل – إلى طريقة التحضير للمؤتمر، يتملكنا قلق عميق ويضعنا أمام تساؤلات غاية في الأهمية حول مستقبل الحزب .
إن الطريقة التي تم بها الإعداد للمؤتمر لا تمت بصلة لأخلاقيات اليسار ولا للأعراف الديمقراطية، وتضرب بشكل فج ومفضوح قوانين الحزب عرض الحائط، وكأن غاية ما، ورغبة التحكم في الحزب بررت استعمال جميع الوسائل.
فالخروقات القانونية والتزوير والإقصاء … هي سمات العملية التحضيرية، بدءا بالسيطرة على اللجنة التحضيرية وتوجيهها وتحميلها ما لا تحتمل، وتبني وثائقها وأوراقها من طرف تيار القيادة ضدا في القانون، مرورا بالتزوير والنفخ في لوائح إنخراط عدد من الفروع الموالية للقيادة، وإعداد محاضر الإنتذاب دون القيام بجموع عامة لذلك، فعدد المؤتمرين لا يعكس بالمطلق الخريطة التنظيمية ولوائح العضوية، وهذا ما يفسر السرية التامة والتستر المريب على لوائح الإنخراط، وجعل لجنة الإشراف وغيرها شكلية فقط.
ناهيك عن إقصاء كل صوت مخالف، وصل ذلك حد منع تيار التغيير الديمقراطي من مناقشة أرضيته من خلال أنشطة مبرمجة من طرف اللجنة التحضيرية، وغيرها من التجاوزات الكثيرة…
هذه المعطيات وغيرها كانت تشير بشكل واضح إلى رغبة المتحكمين والنافذين بالحزب في تنظيم مؤتمر شكلي محسوم ومتحكم في نتائجه مسبقا، ما دفع الرفيقات والرفاق بتيار التغيير الديمقراطي ورفاق أخرون إلى مقاطعة المؤتمر.
هذا الأخير الذي تبين بالملموس وبشهادة عدد من المؤتمرين أنه كان مؤتمر الرأي الواحد، وشابت أشغاله خروقات عديدة خصوصا في تشكيل المجلس الوطني، ما خلف سخطا وإستياءا كبيرين لدى عدد من الرفاق .
ما أكد راهنية سؤال الحزب إلى أين؟ بالإضافة إلى ما سبق هو الإستقبال الرسمي والبهيج الذي أقيم للأمين العام لحزب التقدم والإشتراكية والكاتب الأول للإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، وما يحمله ذلك من إشارات وصل صداها بشكل كاريكاتوري في تصريح الشاب المؤتمر الذي أثار الكثير من الجدل، والذي هو في الحقيقة نتيجة طبيعية لمنطق التجييش ولهاجس التحكم في المؤتمر الذي سكن دواخل القيادة، وبالمناسبة أمثال هذا الشاب كثر، بل حسب ما قال لي أحد الرفاق هناك من المؤتمرين من لم يعرف حتى اسم الحزب) حيث سماه أحدهم بحزب الاتحاد الإشتراكي الموحد).
وما أثار إستغرابي أن حضور ادريس لشكر ونبيل بن عبد الله يقابله غياب الرفاق في فدرالية اليسار الديمقراطي.
الكل يعلم بأن الحزب يعقد مؤتمره هذا وهو يعيش أزمة مالية خانقة نتيجة سوء تسيير وتدبير القيادة، حيث حرم الحزب من الدعم العمومي… ما جعله يفرض رسوما مالية لن تكون في مقدور عدد كبير من مناضليه، بل وطلب من المؤتمرين أن يتكلفوا بطبع وثائق المؤتمر (تعميم 8 أكتوبر 2023).
إلا أن ما تتبعناه خلال انعقاد المؤتمر من كراء قاعة مجهزة، لا يعكس الأزمة المالية الخانقة.
ومتداول أن الحزب تلقى دعم من الدولة، إن صح هذا الكلام فإن المسألة تزيد من إثارة الشكوك حول مستقبل الحزب وحول خطه السياسي، والذي من المؤكد أنه ابتعد عن الإشتراكية واقترب من البورجوازية فكرا وممارسة.