الرياضة ليست مجرد حركات رياضية: الجمال مهم أيضا

لوسات أنفو

إميلي ريال/ ترجمة: إلياس أبوالرجاء

تعد حركة ليونيل ميسي السريعة أثناء مراوغته لأربعة مدافعين من فريق أتلتيك بلبياو قبل أن يسدد الكرة في الشباك من مسافة 16 متر، واحدة من أجمل أهدافه العديدة؛ وكذلك كان أداء يلينا شوشونوفا للحصول على النتيجة المثالية في نهائيات الجمباز الأولمبية عام 1988. ولكن إذا كان ميسي قد أدخل الكرة على حارس المرمى من ركلة ركنية، لكان ذلك سيحسب نفس الشيء في النتيجة النهائية: فلطالما تجاوزت الكرة خط المرمى، في إطار قواعد اللعبة، فإن طريقة التسجيل ليست مهمة. في المقابل، فإن الكمال في أداء شوشونوفا في الجمباز هو ما سمح لها بالحصول على العلامات الكاملة.

يسلط هذان المثالان الضوء على المقارنة التي قام بها الفيلسوف الرياضي ديفيد بيست في كتابه “الفلسفة والحركة الإنسانية (1978)” بين الرياضة الغرضية والرياضة الجمالية. في الرياضات الغرضية، هناك مقاييس موضوعية للفوز، مثل تسجيل هدف أو عبور خط المرمى. بالنسبة للرياضات الجمالية، مثل الجمباز أو التزلج على الجليد أو الغطس من المرتفعات، يتم تحديد النتيجة من خلال الحكم الشخصي للخبراء. حتى أن بعض الناس يتساءلون عما إذا كانت الرياضات الجمالية هي رياضة على الإطلاق بسبب التحكيم الذي تنطوي عليه.

ربما تكون مثل هذه الشكوك غير مبررة. إذ أن الجمباز والتزلج على الجليد والتزلج بلوح الثلج والتزلج على اللوح وركوب الأمواج والغطس من المرتفعات، تتطلب الالتزام بمعايير موضوعية. ولا تمنح العلامات على الصفات الجمالية مثل الرشاقة أو الجمال أو التأثير العاطفي، بل على تنفيذ سلسلة من الحركات وفقا لقواعد محددة. يمكن للاعب الجمباز أن يقرر استخدام قفزة كدعامة لرقصة جميلة، لكن ذلك لن يسجل أي نقاط لأنه سيكون خارج قواعد القفز. تحدد قواعد القفز عدد النقاط التي يجب منحها أو خصمها لإجراءات أو إخفاقات معينة. لا توجد نقاط تُمنح للجمال الجمالي أو التأثير العاطفي. ولهذا السبب، تفشل بعض عروض الجمباز التي تترك الجمهور في حالة من البهجة، في الفوز بالمنافسات: فالجمال الذي يعجب به الجمهور لا يتم إدراجه ضمن معايير التحكيم.

لذلك، حتى في الرياضات الجمالية، ليس الجمال في حد ذاته هو المهم؛ بل إن إظهار مهارة محددة هو الذي يفوز بالذهب. ومع ذلك، يبدو أن هناك علاقة بين ما يعتبر عمومًا مهاريا وما يعتبر جميلًا. ولعل الفيلسوف الأمريكي بول زيف، الذي أعلن في كتابه “Antiaesthetics” (1984) أن الجمال لا يهم في الرياضة، ربما كان مخطئا عندما زعم أنه لا توجد علاقة على الإطلاق بين الاثنين. السقوط على الأرض، بغض النظر عن القصد، لا يُقدر داخل الرياضات الجمالية لأنه لا يتناسب مع المهارة، بالإضافة إلى أنه يبدو بشكل غير جذاب.. تكمن الصعوبة في الحكم بين الأعمال الصعبة المنفذة بشكل سيء (غير جميلة) والأعمال الأسهل، ولكن المنفذة بشكل مثالي (جميلة). في الرياضات الجمالية، عادةً ما يتم منح مزيد من النقاط للأعمال الجميلة وليس للأعمال القبيحة. في الغطس من المرتفعات على سبيل المثال، سيعلن المتنافسون عن صعوبة القفزة التي سيحاولون تنفيذها، حيث تكون كل قفزة تستحق عددًا محددًا من النقاط (كلما زادت الصعوبة، زاد توفر النقاط). تعتمد العلامات الكاملة على الغوص المثالي ويتم خصم النقاط لأي شيء أقل. سيحاول الغواصون عمومًا القيام بأصعب عمليات الغوص التي أتقنوها ليحصلوا على أكبر عدد من النقاط.

حتى في الرياضات غير الجمالية، حيث يكون المنتصر هو من يحقق هدفًا معينًا مثل إنهاء السباق أولاً، أو إدخال الكرة في الشباك، لا يزال هناك بعض الارتباط بين المهارة والتقدير الجمالي.  صحيح أن كل هدف في كرة القدم له نفس القيمة، لكن عشاق الرياضة يقدرون المهارة التي تؤدي إلى هدف أكثر من هدف من خطأ عرضي؛ ومن هنا تأتي عروض مثل مثل “هدف الشهر”.

في العديد من الأحيان، ترتبط المهارة بالجمال، ولكن إذا كانت المهارة أصلية، فإنها تكتسب جاذبية أكبر، حتى عندما لا تحقق الهدف المقصود تمامًا. وقد اقترح الفيلسوفان تيريزا لاسيردا وستيفن مومفورد بأن “العبقرية” يجب أن تعتبر فئة جمالية صالحة في الرياضة. وقدموا خمس سمات للعبقرية الرياضية: الإبداع، والابتكار، والأصالة، والحرية، والإلهام للآخرين ليتبعوها، مستشهدين بأمثلة دييغو مارادونا، وشوشونوفا، ويان بوكلوف، وديك فوسبري.

أظهر مارادونا رؤية ووعيًا في كرة القدم لا مثيل لهما. لقد كان قادرًا على تجاوز لاعبي الخصم بطريقته، دون عناء على ما يبدو، بينما كان يسيطر بشكل كامل على الكرة. تكمن أصالة شوشونوفا في تطوير حركات ربط جديدة بين حركات الجمباز المحددة: وقد أضفى هذا رشاقة وانسيابية على الروتين الذي لم يسبق له مثيل من قبل. طور بوكلوف وفوسبري تقنيات جديدة مكنت من تجاوز الحدود السابقة للقدرة البشرية: بوكلوف على شكل حرف V في القفز على الجليد، وفوسبري مع إقلاعه للخلف برأسه أولاً في الوثب العالي.

من المؤكد أن لاسيردا ومومفورد على حق في القول بأن العبقرية لها أعظم قيمة جمالية في الرياضة. يمكنك الفوز، سواء في رياضة جمالية أو غير جمالية، وذلك ببساطة عن طريق تسجيل أكبر عدد من النقاط ضمن القواعد المنصوص عليها، ولكن جمال العروض الأصلية حقًا يسكن في ذاكرتنا. هذا هو الجمال الأكثر أهمية في الرياضة، ونحن محقون عندما نحتفل به.