النهضة التربوية بين سؤال الإخفاق وتعقيدات النجاح؟؟
التموذج التنموي الحديد ركز على مفاهيم التحفيز والتثمين للمدرس وجعل مهنة التدريس أكثر جاذبية. لكن واقع الحال يوحي بالنقيض
حسن أوزيادي
بناء مستقبل الأمم والمجتمعات يتأسس بالضرورة على قاعدة التربية كصمام أمان للرقي والتقدم الإنساني وكلبنة أساسية من لبنات البناء والنماء والرفع من شأن الأمم إلى مراتب أرقى وأعلى.
النماء والتقدم، طموح مشروع، يستمد مشروعيته من جدلية تاريخية مُؤَسسة على مفهوم الصيرورة كقاعدة أساسية للتحول والتغيير، بدينامية مرتكِزة على فعل تراكمي، كمي ونوعي، يخترق مفاصل المجتمع السياسية و الاقتصادية والاجتماعية باتجاه بناء أسس و مقومات الدولة الحديثة.
الأساس في التحول والتغيير والتقدم هو رهان استراتيجي على التربية و التي من وظائفها الجوهرية بناء الإنسان المتعلم، الكفء، المنفتح على محيطه الجهوي والعالمي والمنتج لقيم سلوكية ومعرفيةً تنافسية قادرة على تقوية وإغناء الرأسمال والإمكان البشري للأمة، تحقق من خلاله وعبره الاستقلال السياسي والاكتفاء الاقتصادي و المادي والأهم تحصين القرار الاستراتيجي في كل مستوياته. إنه التحدي الوجودي المفروض بقوة وشراسة التنافس الجيوستراتيجي و الاقتصادي المحتدم بين مختلف القوى العالمية.
إن الرهان على التربية هو أساس التنمية، معطى وحقيقة لا يمكن تجاهلها إلا من متحايل أو جاهل، حقيقة تمر بالضرورة عبر امتلاك الأدوات الفكرية والإجرائية و استحضار مجموعة من التمثلات والرؤى والتصورات والمفاهيم الفلسفية بمعنى التنكين من اقتصاد المعرفة الحقيقي المنتج لرجة فكرية ممتدة للوجدان والسلوك الجمعي، والذي بدونه لا يمكن الخطو خطوة لبناء صرْحٍ مجتمعي سليم تنصهر فيه كل الإرادات ككتلة وكلية واحدة بمقومات صلبة مستوعبة لتحديات الوجود.
ضمن هدا السياق، راهنت الأمم و المجتمعات، التي سبقتنا، على التربية كمدخل للتنمية والمدرسة كفضاء بامتياز للأجرأة وكشتل طبيعي لإنتاج القيم والمعارف الأساسية بهدف صاغة المشروع المجتمعي المنشود والمتوافق عليه طبقا ووفقا لرؤية تشاركية.
صمن هده الرؤية، وانطلاقا من راهنيه الأحداث وتطورات الساحة التعليمية التي تشهد احتقانا غير مسبوق، تستمد شرعية السؤال حول التربية عامة والمدرسة خاصة.
الإحاطة على هكذا إشكال يستدعي بالضرورة صياغة السؤال الأعمق: أي مجتمع نريد؟ بأي مقاربة تربوية وبأي مدرسة سينجز؟ لنخلص في النهاية إلى أي بروفايل نريد لمتعلم الغد؟ وبأي بروفايل مدرس نريد تنزيل الإصلاح؟
عرفت منظومة التربية والتكوين عبر تاريخ المغرب مجموعة من الإصلاحات مند الاستقلال إلى اليوم، كلها شخصت الوضع وحددت الأولويات ثم أنتجت مشاريع تربوية بقوانين ومقتضيات جديدة و في سياقات تاريخية مختلفة و بمقاربات مختلفة لم تضمن لها الإجماع المطلوب و بالتالي حصدت الفشل الذريع.
من الميثاق الوطني للتربية والتكوين مرورا بالمخطط الاستعجالي ووصولا إلى الخطة الاستراتيجية 30 /15 لإصلاح منظومة التربية والتكوين،والتي لازالت لم تبرح مكانها ولم تخطو الخطوة الحاسمة باتجاه النجاح. رغم الإمكانات المادية التي رصدت لها، كانت النتائج كارثية. الشيء الدي يطرح عدة علامات استفهام عن مكمن الخلل ومعيقات النجاح.
لانقاد الوضع، جاء النموذج التنموي الجديد لاستدراك وضع ر هُدِر فيه الزمن والمال وأضحى الوضع التعليمي مستفحلا بما لا يدع مجالا للشك، باعتراف المراقبين والمهتمين بالشأن التربوي.
جاء النموذج التنموي الجديد وخصوصا في خياره الاستراتيجي الأول” رفع شعار” تعليم دو جودة للجميع” أي تحقيق نهضة تربوية حقيقية ، تحسين جودة التعليم بشكل جوهري وإعـادة وضـع المدرسـة العموميــة فــي صلــب المشــروع المجتمعــي للمغــرب. فــي أفــق 2035 . الاستثمار فــي تكويــن وتحفيــز المدرســين قصــد جعلهــم الضامنيــن لنجــاح المتعلمات. فجودة أي نظـام تعليمـي يحددهـا مسـتوى المدرسـين العامليـن بـه. لإنجاح نهضتـه التربويـة، يتعيـن علـى المغـرب إيلاء الأهمية الكبـرى لتثميـن هيئـة التدريـس والرتقاء بمسـتوى كفاءاتهـا وتأطيرهـا وفـق معاييـر مهنيـة صارمـة وجعـل مهنـة ووضعيـة المـدرس أكثـر جاذبيـة قصـد اسـتقطاب الطلبـة المتفوقيـن.” 1
يتضح من خلال الديباجة أن النهضة التربوية المزمع تحقيقها من خلال التموذج التنموي الحديد قد ركزت على مفاهيم التحفيز والتثمين للمدرس وجعل مهنة التدريس أكثر جاذبية. لكن واقع الحال يوحي بالنقيض. مما يطرح جملة من الاستفهامات. إما أن هذه اللجان الخاصة والمكلفة بصياغة مثل هكذا مشاريع ربما تستأنس بالكلمات الرنانة والبراقة دون إدراك الدلالات والأبعاد الحقيقية للمفاهيم المصاغة بحنكة وحبكة؟ أم أن مضامينها جد متقدمة وتصطدم بتعقيدات التنزيل؟ أم أن المسالة أبعد من ذألك وتمتد إلى ما هو أعمق، غياب الكفاءات المتمكنة وغياب الحكامة الإدارية الجيدة في تنزيل المشاريع من السماء إلى الأرض؟
وتبقى التربية كرهان حفيفي للتنمية حبيسة تجارب أقل ما يمكن القول عنها أنها فاقدة لعنصر الالتزام بالمقتضيات المسطرة في مضامينها، أو ربما رهينة حسابات نجهل فحواها. ويبقى المدرس كأداة فاعلة في هذه النهضة التربوية مجرد رقم يُثقلُ كاهله بالتزامات إضافية لامنتهى لها في غياب التحفيز والتثمين الحقيقين، أعمال شاقة تضاف إلى شقاءه اليومي المُثعِب والمُرهِق. أما ذاك التلميذ فهو في مفترق طرق، بين النص والتأويل، و بين واقع الاكتضاض وضنك العيش والسفر مسافات لتلقي العلم مع فرح وحلم مؤجلين.
ذ.حسن أوزيادي
1 النموذج التنموي الجديد