محمد النواية يكتب حكايته مع الحلاق

لوسات أنفو

   الحجام أو الحلاق

الحلاقون يكونون كباقي المجموعات الحرفية والمهنية تعاونيات يسيرها أمين الحرفة؛ تعالج قضاياهم وتبث في مشاكلهم. دكاكينهم مجمعة في الأحياء والحارات بالمدينة. تخصصهم لا ينحصر في حلاقة الشعر واللحى، بل يمتد إلى مهام وتخصصات أخرى التصقت بهم كالحجامة؛ قلع الأسنان وجبر العظام إذا تكسرت أو تشعرت. يعرفون بعض الأدوية لمعالجة بعض الأمراض. يقومون كذلك ببعض العمليات الخفيفة كالختان وتركَيم الأوشام على أماكن في جسد المرأة. في قصيدة الملحون بعنوان “الحجام”

يقول الشاعر :

صُول أحجٌام الْعَارْف كْلامي

لُوشَام رَكَمُو  فَصْدَرْ من نَهْوَى

الْمَالْكَنِي لغزال الطام

 أَسِدْنَا واسْتَفْتَحْ طَرْز القَوْل حجٌامي

بإسم الكريم حَطٌو فصْدَر لَغْزال

زاد عَنٌه ثَنٌى بسْلام عن محمد خيار لسَامي

ودْوا وقَال أَشْ تْريد أَعَاشْق لَبْها فَتْراكَمْ لُوشَام

أَشْنو يُعْمَلْ أَعَاشْق أُوشَامي.

لله قُلْت لو يا حجام الريم لا تخالف لِيّ لكلام

اسمع قولي وصْغَى لْتوهامي

 

 

ومنهم من يمارس الحلاقة في البيوت لدى التجار اللذين يدعونهم لكثرة انشغالاتهم أو تجنبا لثرثرة وفضول الزبائن، نفس الشيء بالنسبة للقضاة والعلماء الذين غالبا ما يتحاشون العامة ولا يجدون الوقت الكافي للتنقل عند الحلاق. وأذكر آخر حلاق متجول على دراجته الهوائية ومحفظته المثبتة على المقعد الخلفي التي تحتوي على جميع لوازم الحلاقة. يتجول في أسواق وحواري المدينة، يقف في تجواله عند الحرفيين والصناع. كان أنيقا جدا لا يمل من الحديث والدعابة والاستئناس؛ يحول دكاكينهم إلى مجالس حافلة بالمتعة والفرح. في فترة من حياتنا نخرج من دكان الحلاق ونجد منظر شعرنا ووجهنا مشوهين ونضطر إلى حمل عبئ هذا التشوه إلى حين يطول شعرنا ويتجاوز قفانا ويغطي أذننا ويصبح ضيفا ثقيلا يجلس على رؤوسنا وتبدو وجوهنا نحيفة؛ ننطلق في البحت عن الحلاق الذي يحسن تحسيننا حتى يصبح شكلنا يوحي بالطيبة والبشاشة؛ لهذا كان الناس يسمون الحلاقة “لَحْسَانَة” أي تحسين المنظر. الحلاقون يتشابهون جميعا في كونهم يقصون الشعر لكنهم يختلفون في الطريقة التي يقصون بها لك شعرك دون صليل المقص وكيف يضعون اللمسات الجمالية والإبداعية التي تعبر عن الإحساس والذوق. دكان الحلاق كان مجلسا سياسيا تناقش فيه الناس أخبار السياسة والأحداث العالمية ويعبرون عن مواقفهم و أرائهم فيها مستعينين بالجرائد والمذياع الذي كانت له مكانته ومكانه بين ديكورات محل الحلاق إلى جانب صور محمد الخامس؛ عبد الكريم الخطابي زعيم الريف؛ علال الفاسي ؛ محمد الزرقطوني ؛حمان الفطواكي؛ وجمال عبد الناصر وصور مطربين كبار كأم كلثوم ؛ أسمهان وعبد الوهاب . كل عام وفي يوم أربعاء من فصل الخريف ينظمون حفلهم التعاوني السنوي التعاوني بضريح الولي الصالح ابن العريف. يحدد المعلمين الكبار يوم الاحتفال ويعلنونه بواسطة “البراح” قصد إيصال الخبر إلى أكبر عدد من أهل الحرفة .في ليلة الحفل كل معلم يأتي بطابق خاص أو قدر من المال للمساهمة في الاحتفال، يحضر الموسيقيون وأصحاب السماع لإنشاد باقة من الأشعار الصوفية وقراءة دليل الخيرات .يختتم الاحتفال بمعية الضيوف في جو من المتعة والانتشاء داخل ضريح صاحب كتاب “محاسن المجالس “. كنت أتساءل دائما لماذا الحلاقون يتخذون يوم الأربعاء يوم عطلتهم الأسبوعية؛ في بحثي المتواضع وجدت في كتاب تاريخ الأمم والملوك للطبري أن يوم الأربعاء يوم خلق فيه الخراب وفي حديثين ضعيفين ؛  الأول “الأربعاء يوم نحس مستمر”والثاني”اجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء “.