«الفاجعة بين الآداب والفنون»…ندوة شعرية بتطوان حول الزلزال بمشاركة الناقد محمد آيت العميم
لوسات أنفو: إلياس أبوالرجاء
نظمت «دار الشعر» بتطوان يومه السبت 30 شتنبر 2023، ندوة تحت عنوان «الفاجعة بين الآداب والفنون»، بمشاركة الباحث عبد الإله الخليفي والناقد والمترجم عز الدين الشنتوف والناقد والمترجم محمد آيت لعميم؛ مع قراءات من ديوان الزلزال، بمشاركة إدريس الملياني ولطيفة تقني ومحمد بشكار.
وفي مداخلة بعنوان ” الكتابة والخراب..هشاشة الكائن ورعب النهاية” تناول ايت لعميم أن الكتابة والخراب تلازما منذ عهود سحيقة الى اليوم، وأن النصوص الدينية رسخت في الاذهان وأن النهاية ستكون قيامية مرعبة، لذلك فالكارثة آتية من مستقبل مجهول، ينطوي على نهاية غير محددة في الزمن، لذلك يتفاعل الناجون بالتأمل في هذا العالم المحفوف بالمخاطر وباللايقين والشك في طبيعة الوجود الهش، ويضيف ان الأحداث الأليمة تخلف جراحا غائرة في المتخيل الجمعي، كانت دائما هي وقود الكتابة ، فلولا الطوفان لما كانت ” ملحمة جلجامش” التي دار موضوعها المركزي حول البحث عن نبتة الخلود، ولولا ” طروادة” لما وصلتنا ” التحفة الخالدة” الاليادة والأوديسة”، والامثلة على ذلك لا عد لها، فكأن الأدب الخالد يتربى في احشاء الكارثة.
وتطرق الناقد الى مجموعة من النصوص الروائية التي تناولت الكوارث مثل رواية اكادير لمحمد خير الدين ، ومابعد الزلزال لموراكامي، والايام الاخيرة لبوميي، لادوارد ليطون، واجساد مختلطة ، لمارفان فيكتور، والسبت الاسود لجاكلين ميغفين التي تناولت التسونامي في الهند، كما عرج على نصوص من التراث العربي التي تناولت مثل هذه الكوارث فنبه إلى كتاب اسامة بن منقذ ” كتاب المنازل والديار” الذي خصصه لزلزال حصن شيزر ،وجمع فيه مايبرد اللوعة ويسكن الروعة ، قائلا” ولقد وقفت عليها بعدما اصابها الزلزال ،فما عرفت داري ولا دور والدي واخوتي واعمامي” وذكر ايضا مرثية ابن الرومي للبصرة لما دمرها الزنج وخربوها واذلوا اهلها.
كما ذكر نص حافظ ابراهيم في رثاء مدينة مسينا الايطالية لما ضربها زلزال مدمر:
مالمسين عوجلت في صباها…ودعاها من الردى داعيان.
خسفت ثم اغرقت ثم بادت…قضي الأمر كله في ثوان.
وأشار ايضا الى ديوان السياب ” المعبد الغريق” وهو نص تأثر فيه السياب بغرق معبد بوذي إثر انفجار بركان دمر المدينة واغرقها في الحمم. كما استحضر قصيدة فولتير حول زلزال لشبونة، واستحضر ايت لعميم الدور الذي لعبته السينما في رصد الكوارث وتوثيقها وتقديمها من خلال تنوير جوانب انسانية قد لا تظهر في نشرات الاخبار والتقارير.
ولم يفوت الناقد الوقوف على دور الفن التشكيلي في ترجمة الانفعالات الانسانية بصريا عبر لوحات غويا وبيكاسو، حول الحرب الأهلية او الطاعون الاسود ،منبها الى ان الكوارث لم تكن موضوعا فقط لهذه الآداب والفنون، بل إنها أثرت على الاختيارات الجمالية وشكل التناول حيث اصطبغت اللوحات بألوان قاتمة ، والنصوص حاكت أوضاع الكارثة، إما عبر الهذيانات او تشظي النصوص وتفاقمها مناظرة ما تخلفه الكوارث من فوضى ودمار ومحو ومحق، وقد أشار إلى أن خطاب النهايات الذي تواتر في حقول عدة هو تأثير بليغ لخطاب الكارثة في الفكر مستحضرا مالارمي في رمية نرد وكيف ان بلانشو تأثر بمالارمي في هذا السياق حول كتابة الكارثة والفاجعة.
وقد ختم مداخلته بأن الأدب والفنون تشهد بالتحديد على استحالة الشهادة في مواجهة الحدث الكارثي، لأن الكارثة هي موت الشاهد. إلا أن الكتابة عن ما بعد الكارثة هي واجب الذاكرة ورصد مجموع الانقلابات النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تسببها الكوارث.
فيما كتب محمد بشكار على حائط حسابه على الفايسبوك بعد المشاركة في الندوة:” لا يُلبِّي نداء الزلزال إلا الشعراء، فهم الأفصح في ترجمة الجرح الذي ضرب عميقا في النفوس قبل الأرض، لا أعرف المدى الذي تكون فيه الكلمة ذات جدوى لتضميد الكارثة، كل ما أعرف أن الدمع لا يخلو أحيانا من نفع، وأن الشاعر لا يمكنه أن ينفصل عن حالة الحزن التي عمت البلاد، لا يمكنه أن يُلوِّن بالأبيض ثوب الحداد!
لكل هذه الأسباب حملتُ حزني مُلبيّاً نداء دار الشعر في تطوان، هناك خاطبتُ الزلزال بقراءة شعرية أمس السبت 30 شتنبر 2023، هناك تعلمتُ أن المواساة حين يجتمع الأحباب، تخفف من وقع المأساة، ومن هؤلاء الأحباب بعد جمهور غفير، الشاعران إدريس الملياني ومخلص الصغير والناقدان والمترجمان عز الدين الشنتوف ومحمد آيت لعميم، لن تُصدِّقوا إذا قلت إني أعرف سلفاً هذا الزلزال اللعين مع كل رجْفة تُهيِّجها القصيدة، فكنت له بالمرصاد هو بحجارة من سجِّيل، وأنا بكلمة تؤرخ للحزن من تسجيل!”.