فيلم ADIEU AU LANGAGE: لن أقول كلمة، أبحث عن الفقر في اللغة
لو سات أنفو محسن برهمي:
ماذا إن اختفت اللغة، كيف سنتواصل، كيف ستترجم أقوالنا وأفعالنا، هذا ما سنتعرف عليه في هذا الفيلم اذي أصدر سنة 2014 ” وداعا للغة” للمخرج الفرنسي جان لوك غوادر، ومن بطولة هيلوس جوديت، كامل العبدلي، وريتشارد شوفالييه.
فيلم” وداعا للغة” فيلم يتميز عن باقي الأفلام الفرنسية بأسلوب غودار الفريد والتجريبي، حيث يقدم قصة غامضة ومعقدة تتناول موضوعات متنوعة؛ العلاقات الإنسانية، التكنولوجيا، اللغة، والتعبير الفني.
فيلمنا اليوم تحفة فنية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهـو قصيدة بصرية فلسفية، تستولي عليك، بكل ما يحشده المخرج الفيلسوف من تكوينات، فلا توجد هناك حكاية بالمعني المفهوم في الفيلم، بل هو محاولة لإرساء المفهوم الذي ينعي بـه المخرج جودار الحياة الأوروبية أو الغربية بشكل عام، فيقول في الفيلم إن البشـر في تلك المجتمعات سوف يحتاجون مستقبلا إلى مترجمين ، وقريبا جدا لانعدام التواصل، وبعـد أن فقدت الكلمات واللغة معانيها، سـوف يسير كل شخص مع مترجم لكي يترجم له الكلام الذي ينطقه فمه، وربما نحتاج إلى كلاب كما في الفيلم، لتشرح لنا وتترجم وتفسر.
الفيلم في بنائه بسيط كما لو تم إخراجه على يد مخرج مبتدأ فيظهر لنا ذلك من خلال محدودية الشخصيات (كلب، امرأة، رجل)، والأماكن (بلدة وغابة)، والمشاهد (شجر، بحيرة، بيت، شارع). بساطة تشي بالضعف البنائي، أو عدم القدرة على التعبير بكثافة والخوض في علاقات معمقة تربط الأشخاص بالأماكن أو العناصر المحيطة به، ففي السينما الحالة حتى ظل شخصية البطل لديه دلالة. من لا يعرف رؤية غودار السينمائية/الفلسفية، سيدعي ذلك، وبإمكانه تقديم أدلة، كما فعلت الآن على ذلك أيضا. غير أنه لا يمكن مشاهدة فيلم “وداعا للغة” دون أن يجعلك تفكر معه بتلك الأسئلة الوجودية. فيلم “وداعا للغة” هو قصة حب بأسئلة؛ حب كوني تحديدا، الكل يلعب هناك، واللغة تريد اللعب أيضا بأساليبها الخاصة؛ القواميس والفلسفات والمجازات. لكن الكلب روكسي له رأي آخر؛ روكسي يحدد المعنى بخطواته التائهة بين البلدة والغابة. اللغة، المبنية على أسئلة وجودية لا تنتهي ومرجعيات فلسفية، هي أمور مبهمة في هذا الفيلم. هناك اقتباسات فلسفية كثيرة، هناك شعر، هناك غموض جارف: أقفال مع ظلال مفاتيح. موسيقى مرعبة ندخلك عالم هيتشكوك، ما يوحي بجريمة تقترب من الحدوث، أو حدثت وسيقوم المخرج بإعادتها عبر “الفلاش باك”، بالإضافة إلى موسيقى تشايكوفسكي، تذهب وتعود بأجواء جنائزية على مدار الفيلم مما يشكل تكاملا مع موسيقى هيتشكوك، “العالم”، الذي يعني الغابة بلغة إحدى قبائل الهنود الحمر، خائف هذه الأيام” تقول المرأة تنزل الدرج، أو الحلم هناك بجانب الحقيقة. هناك الكلب روكسي على جانب البحيرة، له أسئلته الخاصة. وهناك صوت في الخلفية يقول “لن أقول كلمة، أبحث عن الفقر في اللغة”، هل الاعتماد على رجل وامرأة مع موسيقى هيتشكوكية تدل على جريمة قادمة ومع مقتل حبيب الزوجة تنتهي علاقة الحب التي جمعت بينهما، هي محاكاة لقصة ” آدم وحواء”، هل غوادر يقول لنا أن ما فعلته حواء بأكلها للتفاحة جريمة سببها تأويل اللغة بينها وبين الآله، أم أنها انعدام تواصل بينها وبين آدم ؟
هناك احتكاك جدلي كبير بين اللغة والصورة، حيث استعمل غودار تقنية “3D”؛ أولا للتشويش ليدخلك عالمه، وثانيا لوصف ذلك الصراع الوجودي القلق بين الكلمة والصورة.
بشكل عام، فيلم “وداعًا للغة” هو عمل سينمائي تجريبي يتحدث عن قضايا معقدة بأسلوب معقد، وهو يعبر عن رؤية جان لوك غودار الفنية والسينمائية الفريدة. ويثير نقشا لا منتهي حول مفهوم اللغة والتواصل في هذا العالم الحديث.