فيلم Nightcrawler: عندما تتحول الصحافة إلى جريمة
ماذا لو لم تكن مشكلتي أنني لا أفهم الناس، بل أنني لا أحبهم؟
لو سات أنفو محسن برهمي:
أظهر لنا زلزال الحوز من جديد تجار المآسي، فمع كل حادثة يستغل هؤلاء المؤثرون، أو من ينتحل صفة الصحفي، للظهور إلى العلن عبر دغدغة عاطفة الجمهور المغربي من خلال تصوير الأطفال دون اذن مسبق، أو تفكير في نفسيتهم عبر المدى البعيد، حيث كل ما يهم هؤلاء؛ هو زيادة عدد المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، أو زيادة الأرباح على قناتهم في اليوتيوب، أو النصب والاحتيال على من يريد التبرع من باب الإنسانية، ومراكمة الثروة على حساب هؤلاء فيما بات يعرف بالإحسان العمومي.
فيلمنا اليوم، فيلم Nightcrawler أحد أفلام الجريمة والإثارة الذي أصدر سنة 2014، حيث يعد نقداً مباشرا للرأسمالية والصحافة التليفزيونية؛ وهو من كتابة وإخراج دان جيلروي، وبطولة جيك جلينهال. تدور أحداث الفيلم حول لويس بلوم وهو لص صغير يقوم بمسح شوارع لوس أنجلوس ليلاً من أجل سرقة بعض الأسلاك لبيعها في ساحات الخردة. وعلى الرغم من إنه لص فهو يحاول أن يحصل على أية وظيفة ممكنة إلا أن أرباب العمل يرفضون طلبه ولا يرغبون في تشغيله لشكله المشكوك في أمره. وفي ذات ليلة يصادف لويس حادثة على الطريق السريع. فيغلبه الفضول ليترجل من سيارته من أجل مشاهدة الحادثة عن قرب. وفي تلك اللحظة يقابل جو – بيل باكستون – الذي يعمل مصور فيديو يقوم بتصوير الحوادث من أجل بيعها لأي محطة تلفزيونية إخبارية يحصل منها على أعلى أجر.
أول مشهد في الفيلم يبدأ بجملة يقولها لويس بلوم؛ “أنا ضائع” عندما وحده أحد الحراس وهو في صدد السرقة، لكن هذه الجملة لها معنيين هنا، فالمعنى الأول هو أن بلوم يقولها من أجل هربه وعدم دخوله السجن، والمعنى الثاني هو دلالة على وضعية لويس، حيث يعتبر انسانا فاشلا بدون عمل، مجدر سرقات هنا وهناك من أجل كسب قوت يومه، يبدأ بطلنا في تصوير الحوادث وبيعها إلى محطات التلفاز، عندما سرق دراجة وباعها مقابل شراء كاميرا تصوير، إذا أردنا اسقاط هذا المشهد على واقعنا اليوم، فربما تكون أن الصحافة هي مهنة من لا مهنة له، فالمهم هو المال رغم عدم احترام أي مبدأ من مبادئ الصحافة. في أحد المشاهد يقول ريك :”لقد صورته وهو يحتضر”، يجيب بلوم: “هذه وظيفتي ، هذا ما أفعله ، إذا كنت تراني ، فأنت تمر بأسوأ يوم في حياتك”.
يبدأ لويس في جني الأرباح من هذا العمل يسعى لتوظيف شخص عاطل عن العمل يدعى ريك – رزق أحمد – الذي يعمل معه كمتدرب مقابل ثلاثين دولار في الليلة. ثم يبدأ لويس في تعزيز علاقة عمل مع نينا – رينيه روسو – وهي مدير الأخبار في محطة إخبارية محلية تشتري منه اللقطات التي يقوم بتصويره. في أحد المشاهد، يطلب لويس من ريك الاقتراب من رجل عصابة يحمل مسدسا لتصويره. وعندما يقترب ريك من القاتل تصيبه طلقات نارية فيسقط على الأرض قتيلاً. ليضرب لويس بذلك عصفورين بحجر واحد، حيث طلب من ريك الاقتراب من أجل أن يتخلص من ريك الذي حاول ابتزازه ليقتسم معه الأموال التي سيحصل عليها من هذا الفيديو من جهة، وتصوير مشهد مؤثر ونادر لمحطة تلفزيونية مقابل مبلغ كبير. لكن بالرغم من أن لويس قام بتوسيع عمله حيث أصبح يتوفر على عدد من السيارات وعدد من الموظفين، هل هذا سيجعله سعيدا؟ هل سيعيش حياة عادية دون التفكير في كونه السبب الرئيسي في مقتل صديقه في العمل؟ هل هذه الثروة التي راكمها على حساب عدد من الأبرياء واستغل صورهم في أبشع وضع، لم يفكر من الجانب الإنساني أنه عمل خاطئ؟ كل هذا سنتركك تجيب عليه عزيزي القارئ بعد مشاهدتك للفيلم.
من السهل أن تكره شخصية لويس بلوم، ومن السهل أن تحبه أيضاً. فهو مختلف تماماً عن أبطال أفلام الإثارة الأخرى. فلا نعرف أبداً بصورة واضحة ما هو خطه الأخلاقي. حيث تركز الحبكة على شخصيته من خلال تتبع هذه الشخصية من البداية للنهاية، فالمخرج يريد منا أن نتتبع خطاه لحظة بلحظة، ما سيفعله وماهي الطرق الملتوية التي سيقوم بها، مع سلوكه المهذب والابتسامة التي لا تفارق وجهه.
الفيلم يناقش معضلة أخلاقية، لا تزال موجودة في حياتنا الواقعية كما قلت سلفا. هذه المعضلة تتمحور حول الأخلاق والمال والشهرة، من خلال التخلي على الجانب الأخلاقي بسبب مطالب المجتمع التي لا تنتهي.