اقتصاد و مال

تفاقم الديون يخلف أزمة إصلاح بالاتحاد الأوروبي

 

لوسات أنفو: خديجة بنيس

ارتفعت معدلات الديون وأسعار الفائدة ، في الإتحاد الأوروبي، ترتب عنها ارتفاع تكلفة الإقتراض العام، الذي أدى بدوره إلى انخفاض الحيز المالي للدول. فيما ارتفعت احتياجات الاستثمار العام؛جراء الأزمة الصحية العالمية كوفيد 19 والحرب الروسية-الأوكراينة، وأشار مركز إنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية أن متوسط نسبة الديون  بلغ في منطقة اليورو  ما بين  بين103%  و104%  من الناتج الداخلي الخام في2022 .ا

و أكد المركز المذكور أن هذا الوضع  استدعى الإستعجال بالتفاوض حول مقترحات جديدة لتعديل قواعد الدين العام ومعدلات عجز الميزانية المتفق عليها في دول المنطقة،  تتناسب مع وضع مابعد أزمة وباء كورونا. و كانت المفوضية الأوروبية  عقلت العمل بالقواعد المالية الصارمة التي تفرضها على الدول الأعضاء  وذلك بالسماح لها بالإنفاق من دون أي قيود من أجل التصدي لتداعيات جائحة فيروس كورونا. ومن المقررالعودة للقواعد المعمول بها نهاية العام الجاري، حيث يتعين ـ في ظلها ـ على الدول تسديد 5 في المئة من الديون سنويا في حال تجاوزها عتبة 60 في المئة، وهو أمر اعتبرته جريدة العرب  مدمر للنمو في الدول المثقلة بالديون.

 وطرحت المفوضية الأوروبية مقترحاتها لإصلاح القواعد المالية للإتحاد الأوروبي اعتباراً من عام 2024.وحسب إنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية، تستهدف المفاوضات الاتفاق على قواعد جديدة تسهم في تعزيز القدرة على تحمل الديون وتشجيع النمو المستدام والشامل من خلال الإصلاحات والاستثمار؛ حيث تتيح التعديلات للدول الأوروبية المثقلة بالديون المزيد من المرونة للتخلص من الديون المخالفة للقواعد بشكل فردي؛ وذلك بدلاً من المبادئ التوجيهية الموحدة لكل الدول، وتطوير نظام يتيح للدول الأعضاء تقديم خطط لخفض مستوى دين كل دولة. وستسمح هذه الخطط للدول ذات المديونية الزائدة بمزيد من الوقت للوصول إلى مستويات الدين المناسبة، مع الوضع في الحسبان الاستثمارات الضرورية لمحاربة التغير المناخي، فيما واجهت تلك المقترحات اعتراضاً من بعض الدول الأوروبية، خاصةً ألمانيا وفرنسا.

    و حسب أنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية، وضعت المفوضية الأوروبية نهجا جديدا، في إطار برنامج عمل لإصلاح إطار الحوكمة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي، يركز على القدرة على تحمل الديون.  ووُصفت هذه المقترحاتبكونها  أكثرمرونة، بحيث تتيح للدول الأوروبية المثقلة بالديون المزيد من المرونة للتخلص من الديون المخالفة للقواعد؛ وتبحث مع كل دولة على حدة مسار خفض الدين العام لها بحسب ظروفها وأوضاعها، ونقلا عن جريدة العرب في إشارة إلى إصلاح القواعد المالية للاتحاد الأوروبي، قال نائ برئيسة المفوضية الأوروبية فالديس دوموبروفيسكس”نعيش في عالم يختلف للغاية عن 30 عاما مضت.. تحديات وأولويات مختلفة”، مضيفا أن القواعد الجديدة يجب عليها أن تعكس هذه التغيرات .

واقترحت المفوضية إعطاء كل دولة فترة أربعة أعوام لتبدأ في خفض الدين العام الحكومي من خلال سياسة إنفاق محددة لكل عام، ويمكن تمديدها إلى سبعة أعوام إذا كانت هناك مبررات إنفاق استثماري في مجالات ذات أولوية للاتحاد الأوروبي، مثل مكافحة التغير المناخي أو الإصلاحات الهيكلية التي تحسن وضع الدين العام.وسيتم تعزيز إنفاذ نظام المفوضية من خلال خفض حجم الغرامات المفروضة على البلدان التي تنتهك القواعد، ويقترح مشروع قانون المفوضية تغييرات جذرية في الطريقة التي تشرف بها الهيئة على خطط ميزانية البلدان؛ ما يخلق إطاراً أكثر فاعلية يعطي مساحة أكبر للاستثمار العام، مع محاولة احتواء الإسراف المالي، كما ستختار الدول الأعضاء مسار الإنفاق الصافي، فضلاً عن التزامات الإصلاح والاستثمار التي ستدرجها في خططها الهيكلية المالية المتوسطة الأجل،مع وضع ضمانات لضمان المساواة في المعاملة .

ووفقاً للإطار المقترح توجد ثلاث مجموعات رئيسية من الدول؛ أولها بلدان إجراءات العجز المفرط، وهي التي لديها عجز في الميزانية بنسبة 3%، وتزيد نسب ديونها العامة عن 60%، وتضم المجموعة الثانية البلدان التي لديها عجز في الميزانية أقل من 3% وأعلى من الدين العام 60%،المجموعة الثالثة  هي البلدان التي يقل فيها عجز الميزانية عن 3 % وأقل من 60% من الدين العام، وستطبق ضمانات مشتركة لضمان القدرة على تحمل الديون؛ حيث يستلزم أن تكون نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي أقل في نهاية الفترة التي تغطيها الخطة مقارنة ببداية تلك الفترة، كما سيتم تعزيز تنفيذ تلك الخطط  المرسومة من خلال تقديم الدول الأعضاء تقارير مرحلية سنوية لتيسير رصد وتنفيذ الالتزامات المتعهد بها في خططها بمزيد من الفاعلية. وستتمكن الدول الأعضاء من الاستفادة من مسار أكثر تدرجاً للتكيف المالي؛ ما يسهم في تعزيز النمو، ودعم القدرة على تحمل الديون.

وبالرغم من مرونة القواعد المالية الجديدة التي اقترحتها المفوضية الأوروبية والتي من شأنها أن تدفع باتجاه تعزيز النمو، بديلة عن قواعد الديون الصارمة المقرر العودة إلى تطبيقها بداية من عام 2024،إلا أنها قبلت بالمعارضة من قبل بعض الدول الأعضاء خوفا أن يؤدي وجود نظام أكثر مرونة إلى زيادة نسبة العجز، وارتفاع الدين العام للدول الأعضاء المثقلة بعبء الديون، وبعزى ذلك حسب أنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية إلى :

1.عدم عدالة التفاوض بين المفوضية الأوروبية ودول الاتحاد:على اعتبار أن تفصيل قواعد لكل دولة لضبط السياسة المالية من حيث عجز الميزانية ومستويات الدين العام يعني أنه لن تكون هناك مساواة وعدالة بين الدول الأعضاء.

  1. تباين الأوضاع الإقتصادية للدول الأوروبية : درك ألمانيا أن بعض الدول الأعضاء تحتاج إلى مسارات ضبط مالي أكثر مرونة، خصوصاً فيما يتعلق بالوقت، فيما تفترض دول مثل هولندا والدنمارك أن دول جنوب أوروبا الفقيرة تفتقر إلى الانضباط المالي أصلاً ومن ثم فإن وضع أطر زمنية طموحة ستؤدي في النهاية إلى مستويات دين أعلى . فيما تبنت فرنسا وجهة نظر معارضة؛ حيث اشتكت من أن جوانب نظام الميزانية كانت جامدة للغاية، وطالبت بوضع قواعد مشتركة للدول التي يزيد عجزها عن 3% من مستوى الناتج المحلي الإجمالي. بينما قالت إيطاليا إنها لا تعطي مجالاً كبيراً للاستثمارات في النمو والتحول الأخضر.
  2. غموض متطلبات المسار المرجعي والخطة المتوسطة الأجل : جاء في مشروع اللائحة أن الخطة يجب أن تقدم مسارات مختلفة لـفترة لا تقل عن 4 سنوات؛ ما يعني أن الخطة يمكن أن تغطي أكثر من أربع سنوات.
  3. جمود القواعد العددية الصارمة: تمهد المفوضية الطريق تحت ستار الإصلاح لعودة قوية للتقشف، وأن تظل الدول مقيدة بقواعد مالية غير مثمرة، ولا تأخذ القواعد العددية الصارمة التي تؤدي إلى تطبيق تلقائي صارم الأزمات غير المتوقعة – مثل أزمة كورونا أو الحرب الروسية الأوكرانية – في الاعتبار، و يأتي الإعتراض على المقترحات المعدلة كرد فعل لعدم ثقة الدول الأوروبية بدور المفوضية كمنفذ للقواعد المالية، نظراً إلى التساهل الذي أظهرته في الماضي لعجز الميزانية وجهود خفض الديون؛ ففي دول مثل فرنسا وحتى ألمانيا، في عام 2003؛ حيث امتنع الاتحاد الأوروبي عن تغريم فرنسا وألمانيا لخرق الأهداف، وفي عام 2019، لم يتم تفعيل التهديدات بغرامة تصل إلى 3.4 مليار يورو.

وفي هذا الصدد أوردت جريدة العرب أن رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغراد أكدت أن البنك يقدرجهود المفوضية للوصول لحل وسط بين الدول الأعضاء ،  فما من أحد يريد العودة إلى الأحكام القديمة، أو أن يبعث للأسواق برسالة غموض بشأن القواعد المالية الأوروبية.

ربما تهدف كل من المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء، إلى خفض مستويات المديونية؛ إلا أنه من الواضح أن مرونة خطة المفوضية باعتبارها الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، لم ترق لبعض دول الإتحاد الأوروبي و شككت في محاولة المفوضية تحقيق توازن بين تعزيز المالية العامة وتعزيز الاستثمار، كما تبحث عن ضمانات في اقتراحات الإصلاح التي طرحتها المفوضية.

قب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى