الهند تعمل على إثبات حضورها القوي على الصعيد العالمي
لوسات أنفو: خديجة بنيس
تواصل الهند منذ ما يقرب من 20 عاماً، مساعيها الجادة لتحويل البلاد إلى واحد من أكبر اقتصادات العالم، وفي هذا الصدد فقد حققت أهدافا متعددة، تحت قيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزب بهاراتيا جاناتا، إذ أصبحت دولة سريعة النمو، و ويشير تقرير لمركز إنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية إلى أن الهند تتمتع بمؤشرات قوية تشير إلى صعودها في السياسة الدولية خلال المستقبل القريب؛ نظراً إلى ما تلعبه من دور نشِط في العديد من القضايا الإقليمية والعالمية، فضلاً عن مواصلتها تعزيز علاقاتها بمختلف القوى العالمية؛ ما يعزز مكانتها في النظام الدولي، ومحاولة تقديم نفسها بوصفها زعيمةً للجنوب العالمي.
وفي سياق متصل أضاف التقرير أن الهند تعمل على إثبات حضورها القوي على الصعيد العالمي،وفق تحركات محسوبة وجدية؛ تهدف من خلالها تسليط الضوء على دورها بصفتها قوة عالمية فاعلة من خلال استضافة الفعاليات العالمية، مثل قمة مجموعة العشرين 2023 وتجمع بريكس 2016؛إذ تتيح لها هذه الفعاليات إظهار براعتها الدبلوماسية وقيادتها على الساحة العالمية، وكذا السماح لها باستعراض إمكاناتها ونقاط قوتها الاقتصادية للعالم.
ووفق MIR تسعى إلى إظهار نفسها باعتبارها الصوت البارز للجنوب العالمي، مستغلةً في ذلك موقف العديد من حكومات الجنوب العالمي المتضررة من استجابة الغرب الضعيفة لها أثناء وباء كوفيد–19، وكذلك شعورها بالاستياء من انشغاله بالحرب في أوكرانيا؛ ما يفتح المجال للهند باعتبارها مدافعةً عنها على المسرح العالمي.
وفي هذا الإطار تحرص الهند على الحفاظ على شراكات طويلة الأمد في عالم متعدد الأقطاب، وتنهج سياسة التوازن في علاقاتها مع القوى الدولية في إطار تقليل اعتمادها على قوة عالمية واحدة، ورغبتها في الحفاظ على استقلاليتها في السياسة الخارجية، وتجنُّب الانحياز إلى أي قوة عالمية واحدة.
فنجد أن واشنطن هي الشريك التجاري الأول لنيودلهي خلال عام 2022، بإجمالي تبادل تجاري وصل إلى نحو 132 مليار دولار، مقارنةً بنحو 117 مليار دولار مع بكين، من ناحية أخرى، لا تزال الهندتستورد أكثر من نصف أسلحتها من روسيا، وهي مشترٍ رئيسي للنفط الروسي الخاضع للعقوبات.
ولفت التقرير أنمنطقة الهندوباسيفيك تعد مسرحاً استراتيجياً واقتصادياً رئيسياً بالنسبة إلى الهند، وقد نجحت نيودلهي مؤخراً في مزاحمة نفوذ بكين المتزايد في جميع أنحاء المنطقة،في محاولةٍ لدحض مخاوف نيودلهي في تخطيط بكين لنسج شبكة من التحالفات لتطويقها في المنطقة.
وفي إطار مساعي الهند لتعزيز مكانتها العالمية، يضيف المصدر أن الهند تعمل على إنشاء طرق تجارة منافسة لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، مستغلةً تباطؤ خطوات الصين لتنفيذها بسبب مشكلاتها الاقتصادية الأخيرة، فضلاً عن تلويح دول مثل إيطاليا باحتمالية انسحابها من المبادرة.
وفي هذا الصدد أُعلِن خلال قمة العشرين التي عُقِدت في الهند خلال شهر سبتمبر الجاري، عن تدشين ممر اقتصادي يربط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وهو المشروع الذي من المتوقع أن يحفز التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي وأوروبا، وسيجعل التجارة بين الهند والخليج العربي وأوروبا أكثر سرعةً بنسبة 40 بالمائة.
وبحسب المركز فقدساهمت رؤية رئيس الوزراء الهندي”مودي” للدور الهندي العالمي، في تصاعد النشاط الهندي على الساحة الدولية؛ بحيث كان لديه إدراك كبير بأن تحول الهند إلى قوة عظمى يعتمد على قدرتها على تحقيق نجاح متعدد الأبعاد من حيث تحسين أدائها الاقتصادي والتكامل الإقليمي الأوسع، واكتساب قدرات عسكرية فعالة لاستعراض القوة مقترنةً بسياسات حكيمة لاستخدامها.
وحققت الهند نمواً اقتصادياً قوياً خلال السنوات الأخيرة، وهو النمو الذي بلغ نحو 9% خلال عام 2022. ماجعلها خامس أكبر اقتصاد في العهالم، وإذا استمر هذا المعدل، فقد يصبح الاقتصاد الهندي بحجم اقتصاد منطقة اليورو بحلول منتصف القرن الحالي.
ويرجع هذا النمو القوي بحسب مركز إنترريجونال إلى عدة عوامل، منها زيادة تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة والصادرات، والنمو السكاني الكبير الذي يساهم في زيادة حجم السوق الداخلية؛ حيث يبلغ عدد سكان الهند أكثر من 1.4 مليار نسمة،
هذا وأصبحتالهند ثالث أكبر ميزانية دفاعية على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة والصين، بعد أن شرعت في زيادة حجم إنفاقها الدفاعي، حتى وصلت ميزانية الدفاع الهندية نحو 6 تريليونات روبية هندية (74 مليار دولار) خلال عام 2023.
ونظراً إلى موقعها الجغرافي واعتمادها على التجارة البحرية، يفيد التقرير أن نيودلهي تدرك دائماً أهمية المجال البحري في التفكير الاستراتيجي الهندي؛ لذلك تقوم ببناء أصولها البحرية وقدرات المراقبة البحرية لمواجهة التهديد المتزايد للصين في منطقة المحيط الهندي، ومن ثم تستمر ميزانية الدفاع البحري في الزيادة كل عام؛ حيث ارتفعت نسبة ميزانية البحرية لشراء منصات ومعدات جديدة بنسبة 45% في عام 2022 مقارنةً بعام 2021.
وفي ظل سعي أمريكا إلى تقليل اعتماد العالم على المنتجات الصينية، تعمل الهند على البحث عن فرص تكنولوجية جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية،فضلا عن التزام واشنطن بدعم نيودلهي لتكون مركزاً لصيانة وإصلاح أصول البحرية الأمريكية من طائرات وسفن منتشرة حول العالم، والاستثمار في مرافق الصيانة والتجديد للطائرات في الهند.
وخلص التقرير إلى أن الهند تسعى إلى تحقيق مصالحها الوطنية من خلال سياسة خارجية نشطة ومتعددة الأبعاد، والحفاظ على علاقات قوية مع القوى العالمية الأخرى، مستغلةً تعداد سكانها الضخم، وقوتها العسكرية، ولا سيما تمتعها بالقوة العاملة المتنامية، وارتباطاتها بجاليات كبيرة ومؤثرة في الشتات، كما أن من المرجح أن تتمتع الهند بالقدرة على البروز قوةً عالميةً مهمةً، عن طريق الاضطلاع بدور نشط باعتبارها وسيطاً فعالاً في العديد من القضايا العالمية والإقليمية المُلحَّة.
بيد أنه على الجانب الآخر، تُواجِه الهند أيضاً بعض التحديات الرئيسية التي قد تؤثر على صعودها العالمي، مثل الفقر والبطالة وسياسات التمييز الاجتماعي، وخاصةً ضد النساء والأقليات، فضلاً عن مواجهتها منافسة قوية مع الصين، في العديد من القطاعات، مثل التصنيع والتصدير، ناهيك عن تأثرها بحالة التنافس الصيني–الأمريكي، الذي يضطرها، في بعض الأحيان، إلى اتخاذ موقف في هذا التنافس؛ ما قد يضر بعلاقاتها بإحدى القوى العظمى.