الرأي

حسن أوزال: في موهبة خلق الآهات و تقديس الحرمان

حسن أوزال(مفكر مغربي)

نلفي عند اللاتيني “Térence” عبارة دالة تفيد في قراءة و فهم الحالة البئيسة التي مافتئ يتخبط فيها معظم الناس في مجتمعاتنا المعاصرة.يتعلق الأمر بمفهوم ال”heautontimoroumenos” بطبيعة الحال ، باعتباره ما ينم عن تلك الموهبة السلبية التي يتحلى بها أغلب الناس و بموجبها صاروا يتفننون في خلق المزيد من الآهات التي يضاعفون بها رأسمال آهاتهم الإعتيادية.كأني بهم بذلك لا يكلون و لا يملون من مراكمة المعاناة بشكل سيزيفي يظيفون فيه منها و في كل لحظة قدرا لا يستهان به ،لما يكابدونه أصلا من مشاكل منذ أن انفتحت أعينهم على هذا الكون.

في هذا السياق إذن تندرج مثلا وساوس الآخرة(يوم الحساب) و عذابات القبر ناهيك عن رعب الموت مادام أن هوس مضاعفة السلبية هو المبدأ والحالة هاته ليس إلا. لعل السبب الرئيسي في ذلك بحسبنا إن كان يعود إلى شيء فإنما يعود أساسا إلى نظرتهم لله باعتباره أبا يجازي و يعاقب . فهم يكادون لا يتصورون الله إلا كجلاد يستلذ بعذابات مخلوقاته سواء عند حضه لهم على التزهد الجنسي أو عند دعوته لهم بالالتزام بطقوس التعبد بمختلف أنواعها بدءا من الصلاة حتى الحج مرورا بالزكاة و الصوم وغيرها .

خلافا لهذا التصور يتبدى أن ما لم يستوعبه هؤلاء إنما هو أن الحرمان و المنع لا يمكنه أن يكتسي صبغة مقدسة على الاطلاق لا لشيء إلا لأن الله لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يخلق المتعة و يمنعها في نفس الوقت .و لئن كانت هناك من غاية في الحياة إذن فلن تكون مخالفة للاستلذاذ في الوجود بكل ما أوتي المرء من قدرة.

أما التمنع عن العيش و عدم حسن استثمار حظوظنا في الحياة فهي لعمري ضرب من ضروب الانتحار المبكر ان لم يكن حرمانا لأنفسنا بالأحرى ، من متع وهبها لنا الخالق دون انتظار جزاء منا أو شكور.

إلى هذا الحد بوسعنا أن نختم بالقول أخيرا بأن رفض الناس و هروبها من مباشرة الوظائف الطبيعية المنوطة بها بدءا من الاكل و الشرب و السكن حتى اللبس و ممارسة الحب تفضيلا للشقاء و المعاناة ،هو ما يدل في أكثر من معنى على ما يتحلون به كأشخاص من عقول مُشوشَّة و أنفس مريضة بمقتضاها انغمسوا دون وعي منهم في جملة من الإنحرافات المميتة التي مافتئت تبعدهم رويدا رويدا عما نذروا له من عيش رغيد يستحيل بلوغه دون اقتفاء أثر حكمة مرحة .حكمة تشفيهم من هذا المرض العضال، مرض الهيتونتيمورومينوس الذي صار بمقتضاه المرء جلاد نفسه و على نحو مازوشي يستلذ بتعذيب نفسه .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى