زينب صدقي: شكسبيرة المسرح المصري
لوسات أنفو محسن برهمي:
يعاني في أيامنا هاته المسرح المغربي من أزمة غير مسبوقة، فبعدما كان من أبرز الأماكن التي تستقطب الجمهور حيث يعتبر مصدرا للثقافة والوعي، وكذلك مصدرا لمعرفة أحوال السياسة، عبر المواهب التي كانت تبدع على خشبته، ولتهميش هذا الفن الراقي من طرف الوزارة الوصية على هذا القطاع، ومعاناة مهنيو هذا الميدان في صمت، وأخرهم الفنان المغربي أحمد جواد، الذي أضرم النار في جسده احتجاجا على راتب تقاعده الهزيل الذي تصادف مع موجة غلاء الأسعار آنذاك في المغرب، بالإضافة إلى رفض الوزارة دعم أعمال مسرحية تقدم بها، للتخفيف من الضغط المادي الذي يعيشه. حيث سبق أن نشر على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي مما يفيد أنه أصبح يتسول من أصدقائه الأثرياء وغير الأثرياء، من أجل إطعام أطفاله، ولعدم تغير أحوال أب الفنون بالمغرب، نقترح عليكم قراءنا الأعزاء هذه المادة لمجلة الكواكب حول الفنانة التي غيرت تاريخ المسرح المصري. و فكرة التقدير الحقيقي للجمهور تجاه الفنان، وكيف يستطيع الجمهور أن يثور في وجه أي كان من أجل فنانه المحبوب، وأيضا كيف للفنان أن يخدم فنه عبر تنظيم ندوات أسبوعية ثقافية، لزيادة وعي الشباب.
عملت زينب صدقي في مسرح رمسيس ومسرح الريحاني وفرقه عبد الرحمن رشدي، كما ساعدتها ملامح وجهها الطيب أن تؤدي دور الأم، والحماة في أغلب أفلامها، فجسدت دور الناظرة الطيبة في فيلم عزيزة، الأم المصرية في فيلم بورسعيد، والجارة الطيبة في فيلم البنات والصيف.
وفي زمن كان الجمال على المسرح يتجه إلى الوزن الثقيل، وكان المطلوب من الفتاة الجميلة أن تكون فيلا أبيض، إذا خطرت على المسرح اهتزت خشبته ومالت قوائمه، لتميل معها قلوب أولئك الذين يعشقون الجمال الضخم، ثم جاء وقت تحرر المسرح فيه من هذه الأوزان الثقيلة، وأضحى الجمال فيه مقصورا على الرشاقة وفتنة القد المقياس، وبدلا من أن تكون الممثلة عمارة ايموبيليا، أصبح من الواجب أن تكون في رقة غصة البان.
وجاءت زينب صدقي إلى المسرح، حيث كانت ذات جمال تركي أصيل، حتى اعتقد كثيرون أنها أخت السياسي القديم إسماعيل صدقي، وغزت زينب المسرح حتى أغرت المعجبين بالالتفاف حولها والتهافت على التقرب منها، فأحاطت نفسها بعدد من السكرتيرات، بحيث لم يكن من المستطاع أن يلقاها صحفي أو معجب إلا بعد الاتفاق على موعد سابق.
سايرت صدقي التطور الحديث في الأزياء فبرزت في الوسط الفني ونجحت في جدب الأنظار اليها، إلى جانب ما كانت تستمتع به من مواهب فنية ممتازة وشخصية تسيطر وتتحكم.
واحتلت صورها الكثير من المجلات الفنية التي كانت تصدر في ذلك الوقت، وفي ذلك الحين كان الشباب يحتفظون بصورها في حافظات نقودهم وفي كتبهم ومنازلهم، حيث كانت صورها تحتل كل مكان، وربما كانت زينب صدقي أول ممثلة في مصر تلقت خطابات الإعجاب في كثرة مذهلة، حتى أنها اتخذت لها سكرتيرا خاصا للرد على هذه الخطابات.
وكانت خطابات هؤلاء المعجبين بمثابة مباريات في الشعر الذي يصف الشوق والصبابة وتتغزل في المحاسن واللطافة، وكثيرا ما كانت زينب تجلس للرد على بعض هذه الخطابات، وتشتم معجبيها لأنهم سرقوا أشعارهم من مجنون ليلى وكتير عزة والبحتري.
بدأت زينب تعاني جراء المنافسة بينها وبين زميلاتها، وتتورط في الكثير من “المقالب” التي تدبر ضدها، ولكنها كانت لا تعير هذه المقالب التفاتا. وجدث أن نشبت بينها وبين زميلتها في المسرح فاطمة رشدي معركة حامية استعملت فيها كافة وسائل القتال النسوي، من صراخ وجدب شعر، وغيرت هذه المشاجرة وجه المسرح المصري، فأعجب لهذه الأسباب التافهة التي يكون لها أبعد الأثر في تغيير التاريخ؛ طورا أنف كليوباترا، “بواسير”، نابليون في معركة واترلو، وطورا ثالثا معركة تنشب بين ممثلتين على خشبة رمسيس.
كان سبب هذه المعركة، اتهام فاطمة رشدي لزينب صدقي، بأنها سخرت من تمثيلها وهي على المسرح، وطلبت فاطمة من يوسف وهبي أن يطرد زينب من الفرقة، لكن تم رفض هذا الطلب، وخرجت فاطمة ومعها عزيز عيد ليؤلفا فرقة مسرحية باسمها، وتدور بينها وبين فرقة رمسيس مناقشة حادة تقضي على الفرقتين.
وفي عام 1930، أقامت إحدى المجلات الأجنبية في الإسكندرية مباراة لاختيار ملكة للجمال، وكانت زينب صدقي تشهد هذه المباراة دون أن تشترك فيها، غير أن الجمهور أصر على اختيار صدقي ملكة للجمال.
ورفضت اللجنة المنوط بها اختيار ملكة الجمال أن تعترف بزينب صدقي لأنها لم تشترك في المباراة، وكان رد الجمهور على هذا الرفض أن اعتدى على أعضاء اللجنة بالضرب المبرح.
ومنذ سنوات كانت زينب تقيم ندوات أسبوعية في بيتها يشهدها الدباء والنقاد والشبان المثقفون المحبون للمسرح، وكانت زينب صدقي تتصدر هذه الندوات وتتحمس لأدب شكسبير حتى لقبتها المجلات الفنية بلقب” شكسبيرة الزمالك” نسبة إلى أن تقيم بالزمالك