الفنان السويسري رودولف بوتس: لا حديث مع نساء مراكش
مع الأسف لمست أنه لا يمكن أن يكون للفنان هنا أي مستقبل
كان اللقاء برودولف بوتس RUDOLF BUTZ خلال زيارة خاطفة للفنان الألماني هانس غيردس بإقامته بدرب الحمام بحي المواسين في عمق مراكش المدينة. حينها أخبرنا أن ضيفا مهما ينجز إقامة فينة لمدة ثلاثة أسابيع، ودعانا للتعرف عليه. وجدناه في ورشته هائما بين فرشاته المبعثرة، و الصباغة تلطخ يديه، بنظرات مرتحلة بين السماء و الشمس و اللوحة التي تقابله. تحدثنا طويلا عن أسرار التشكيل و حكاية المكان و السفر. سجلنا حديثه عن مغامرته بمراكش التي نقدمها للقارئ. رودولف بوتس فنان سويسري مرتحل، طاقة لا تتوقف أبدا، فنه تأمل في الله و الزمن و الحياة. قال في أحد حواراته” أنا مفكر إيجابي بطبيعتي وأتطلع إلى المستقبل بأمل.” سجلنا تصريحه و وثقناه في سنة 2001.
“جذبني إلى مراكش هذا الضوء و هذه الغرائبية التي تغمرها .. اللوحات التي أرسمها الآن تعبير عن إحساسي بهذا الفضاء و رؤيتي لهذه المدينة . جلت بالمناطق الجبلية المحيطة بها و أخذت نماذج من الأشكال الموجودة هناك . و الآن في هذا المنزل الجميل أشتغل لأفرغ هذه الطاقة المذهلة الني شحنتني بها هذه المدينة .
أزور مراكش لأول مرة . و أنا هنا عقب دعوة وجهتها لي الفنانة الألمانية “رايله” التي تزور مراكش للمرة العاشرة . مدة إقامتي هنا لا تتجاوز ثلاثة أسابيع حلمي هو أن أتمكن من الإقامة بشكل دائم بهذه المدينة التي لم أكن أعرف عنها أي شيء . لكن مع الأسف لمست أنه لا يمكن أن يكون للفنان هنا أي مستقبل . لا يمكن أن نعيش من الفن وحده بمراكش رغم أن الفن بها يتحول الى حلم جميل لكنه لن يضمن حاضرا لصاحبه .
لم أجلب معي أي شيء من سويسرا . بما في ذلك مواد الصباغة . اقتنيت كل المستلزمات من هنا . رغبة مني في أن يصطبغ عملي بملامح مراكش بما يؤلفها من غرائبية الفضاء و الأشكال و العادات و الألوان و طبائع الناس و طيبوبتهم و حيل المرشدين و ألوان البشرة و لون السماء .. استعملت بعض التوابل و الصمغ في رسم أعمالي من أجل الحفاظ على هذا الحضور و تكثيفه في حيوية لا تستنفذ إن على مستوى المادة أو الشكل .
بالنسبة للفنانة “راييله” فهي ترسم على شاكلة المراكشيين كما يزينون و يشكلون فضاءاتهم اليومية الأليفة كغرف منازلهم و جدرانها و مطابخهم و أماكن الضيافة . و تستخدم نفس العمليات التي تشكل جدوان مراكش كالخدوش و الخربشات ، التي تجعلها حية حية تتفاعل مع الضوء لتخلق هيئات و أشكال مختلفة على مدار اليوم ..
جدران مراكش بالفعل ظاهرة جمالية فريدة ليس فقط بلونها الأحمر الحالم . لكن كذلك بالأشكال التي تعمرها كما تعمر القبائل الرحل الصحراء ، و بالحفر و الخربشات و الخدوش التي تستقبلنا أينما ولينا أبصارنا . و التي تهمس في آذاننا بأحلام أناس هذه المدينة أمواتهم و أحيائهم ، بتطلعاتهم و غرابتهم و حزنهم و فرحهم ..الكلمات المبعثرة التي لا نفهمها و التي تملأ هذه الجدران المنقوشة بالجبس أو الجير أو الفحم أو الصباغة .. و الثقوب التي تستقر في صدر السور القديم و التي ينام فيها الحمام و أصناف أخرى من العصافير . جدران مراكش هي الكلام الصاخب بلا صوت الذي تصوبه هذه المدينة نحو أعين زوارها ..
دروب مراكش و أزقتها الضيقة بما يملأها من صراخ أسراب الأطفال الذين يهبون بين الفينة و الأخرى ينظرون إلينا باندهاش و استغراب متفوهين بكلمة “نصراني ” . الإلتواءات المظلمة لهذه الدروب بمساربها المتفرعة كجذوع شجرة و التي تولد في إحساسا بالمتاهة . الصبيات الصغيرات اللائي يحملن في الصباح على رؤوسهن أو أكتافهن ألواح الخبز و يسرن في الطريق المؤدي إلى الفرن بحزم و جد كراشدات … كل هذا يجعلني أحس و أنا بهذه المدينة أني أولد من جديد بعين طفل مندهشة ..
لا أستطيع النظر الى النساء هنا بمراكش و لا الحديث معهن . فقد قيل لي قبل مجيئي إليها بأنهن من المقدسات . و أنا أحاول ألاّ أمس مقدسات السكان . أعجبتني الطاقية و الطربوش الأحمر الذي يضعه المراكشيون على رؤوسهم .”