ماذا بعد الإقصاء؟
لوسات أنفو محسن برهمي:
انتهت رحلة المنتخب الوطني للسيدات في كأس العالم للسيدات المقامة بأستراليا، ونيوزلندا، بهزيمة أمام المنتخب الفرنسي بأربعة أهداف نظيفة، الفوارق كانت كبيرة للغاية ومواجهة منتخب مجنس باستثناء لاعبتين، يجعل التأهل أمرا مستحيلا، يبقى هذا الإنجاز مشرفا، لما لا وهن اللواتي تأهلن إلى ثمن نهائي المسابقة من أول مشاركة في المونديال، والمنتخب الوحيد الممثل للعرب، والأمازيغ، لكن لنرى الوضع من جهة أخرى ما الفرق بين انجاز السيدات وانجاز المنتخب الرجالي؟ وحيثيات أخرى سنناقشها في هذا المقال.
قبل انتهاء المباراة التي جمعت اللبؤات بالمنتخب الفرنسي، انقسم الجمهور المغربي إلى مجموعتين؛ مجموعة تنوه بالمجهود المقدم من طرف اللاعبات، ومجموعة أخرى ساخرة تطالب بعودة اللاعبات إلى “المطبخ”، وحسابات أخرى استغلت الوضع للتذكير بقضايا اغتصاب لمغني مغربي في فرنسا، وأخرى أقحمت السياسة بالرياضة بذريعة الإحراج مع “الجار الشرقي”، ومدونين أخرين في صراعات مع الشيوخ المغاربة الذين يعتبرون أن دور المرأة مقتصر داخل المنزل فقط، دون أن ننسى الذين يلعبون دور الوصاية على اللاعبات، خصوصا اللاعبة نهيلة بنزينة التي تعرضت لهجمة شرسة بسبب عناق مع مدربها بيدروس، أو اللاعبة التي سجدت شكرا، أمور بعيدة عن الرياضة أقحمت لتقزيم انجازهم، أليس هؤلاء هم الذين خرجوا احتفالا وسط المدن في كل مباراة للمنتخب الرجالي في مسيرات بالألاف، في حين أن الاحتجاجات على الوضع المعيشي لا يتعدى 20 شخصا، أليس هؤلاء هم الذين هرولوا الى مسابقات انتقاء المواهب رغم معرفتهم بأن الوضع لن يساعدهم سواء من الدولة، أو الوضع الكروي بالبلاد.
انتهى المونديال ولم نسمع أي أغنية من فنان مغربي حول المنتخب النسائي، وهم الذين ينتجون أغاني بالعشرات فور معرفة مشاركة المنتخب الرجالي، أم أن المنافسة هذه السنة تزامنت مع مهرجانات فصل الصيف، ما يعني أن عائدات المهرجانات أكبر من عائدات اليوتيوب، أو المنصات الموسيقية الأخرى، يبدو أن الوطنية مجرد أرقام على شيكات.
انتهى المونديال ولم نسمع باستراحة مؤقتة، أو عطلة استثنائية للمغاربة لمشاهدة مباراة للمنتخب النسائي، ألا تتذكرون كيف كانت المدارس فارغة من الطلبة، وكيف فرّ أخرون لم يشملهم الاستثناء لمشاهدة المباراة، من هنا استخلصنا أن الدولة بدورها تخلت عن التعليم مقابل الرياضة، ألا تتذكرون كيف كانت المقاهي تكتظ حتى أن صراخ الفتيات ظل في آذاننا لفترة طويلة، ألا تتذكرون كيف ارتفعت أثمنة المقاهي بنسبة تجاوزت 100 %، بحيث وصلت 100 درهم أي ما يعادل الدخل الفردي اليومي للمواطن المغربي، وكيف نفذت الملابس الرياضة للمنتخب والأعلام المغربية، حيث أصبح كل منا انتهازيا، يريد زيادة أرباحه على فرحة مدتها ساعات قليلة.
انتهى المونديال ولم نر المؤثرين في مونديال أستراليا كمونديال قطر، وكلنا رأينا كيف انتحل “مؤثر” صفة صحفي بسهولة تامة، ونال اعتماد الفيفا قبل أن يتدخل الغيورون على هذه المهنة التي أصبحت تعاني لإنهاء تلك المهزلة، وشاهدنا برامج على التلفزة المغربية، يمكن تصنيفها في أي محتوى، إلا المحتوى الرياضي.
انتهى المونديال ورأينا كيف تعامل الإعلام مع المنتخبين، تضخيم لأداء اللاعبين وتغطية متواصلة على مدار اليوم، دون أن ننسى الدعاية لأكاديمية محمد السادس، رغم أننا كلنا متفقين على أن لاعبينا دو تكوين أوروبي باستثناء أربعة أو خمسة لاعبين، في حين ما وصله المنتخب هو بفضل اهتمام الجيش الملكي باحتضان اللاعبات اللواتي تمردن على وسطهم العائلي قائلات: “الكرة ليست حكرا على الرجال فقط”، ودعم من الجامعة. دعاية للاعبين، متكهنين أن الانتقالات القادمة ستعرف صراعات من الفرق الأوروبية على هؤلاء اللاعبين، هل يمكنكم رجاء تذكيري بفرق هؤلاء بعد مرور ازيد من ست أشهر، ونحن قريبون من انتهاء الانتقالات الصيفية للموسم الجديد.
انتهى المونديال ولم نر أي شخصية من المنصة تساند اللاعبات، أين اختفى رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، بتفاعلاته التي تلتقطها عدسات الكاميرا، وغضبه مع كل فرصة ضائعة تنتهي بسيجارة في يديه معبرا عن توتره، أين اختفى وزير الخارجية الذي ظهر في مباراة الأسود مستعملا كلتا يديه للتصفير، والضغط على المنافس، اين اختفى تركيز المنصوري، وهدوء الحموشي، من أجل دعم نفسي فقط وإعطاء شحنة إيجابية من أجل اخراج أفضل مستوى ضد الفرنسيين.
انتهى المونديال ولم نر أي رحلات منظمة للجمهور من أجل مساندة اللاعبات داخل الملعب، ولم نر أي مشاحنات في استراليا من أجل تذاكر المونديال، عكس قطر وتحقيقات فضيحة التذاكر التي لم نسمع بنتائجها أو المتورطين الذين باعوا المنتخب مقابل مصالح شخصية لحدود اللحظة. هل المنتخب الوطني للسيدات، ليس لديهن عائلات، لإني لم أر أي لاعبة ترقص مع عائلتها احتفالا بالفوز والتأهل، من يدري ربما جميع اللاعبات يتيمات، أو الميزانية أشرفت على الإنتهاء، وفوزي ومن معه أعلم.
انتهى المونديال ولم نسمع بمصطلحات جديدة يتغنى بها الشارع المغربي من قبيل “النية”، ” العائلة”… ربما عقدة اللغة الفرنسية لازالت مستمرة، لذلك قد يكون المدرب الفرنسي قد صرّح بإحداها ولم نستوعبها في الندوات الصحفية، التغني بتأهل المنتخب الى دور 16 منذ مونديال 86 بالمكسيك هي فضيحة، كيف يعقل أن نفرح بهذا الإنجاز الذي يعتبر إنجازا عاديا لدى المنتخبات الأخرى، فعوض الفرحة يجب أن نحاسب المسؤولين الذين توفر لهم جميع الإمكانيات، وفي الأخير يودعون المنافسة من دور المجموعات. لكن الأن يجب التركيز على كأس افريقيا الذي استعصى عن المنتخب منذ1976.
بخلاصة في هذه النسخة النسائية للمونديال، الجميع متواطئ، في انتظار تنظيم جولة وسط مدينة الرباط لإحتفال اللبؤات مع المغاربة بهذا الإنجاز.