مارغريت دوراس: غرفتي ليست سريرا، بل هي نافذة، وطاولة، وعادات للحبر الأسود..
اقتراح و ترجمة: عبد الكريم أوشاشا
“بدون عزلة الكتابة لن ننتج كتابة تكون في المستوى المطلوب؛
بل كتابة تفقد دمها الطازج.
بدون العزلة ستنهار تجربة الكتابة.
فعزلة كتبي الأولى أحتفظ بها في داخلي؛
آخذها معي أينما حللت وارتحلت من باريس إلى نيويورك.
ضرورة إبعاد الأشخاص حول الشخص الذي يكتب. فعزلة الكاتب لا تفعل أي شيء غير الكتابة فهي وحدها التي تعمر حياتي وتفتنني.
غرفتي ليست سريرا، بل هي نافذة ما، وطاولة ما، وعادات للحبر الأسود..
كان لدي بين الفينة والأخرى عشاق،
وكنت من النادر أن أهديهم كتبي.. فالرجال لا يتحملون امرأة تكتب،
فهي قسوة بالنسبة لهم.
إننا لا نجد العزلة؛
بل نصنعها ونهيئها : أغلق الأبواب، أقطع خط الهاتف، أقطع صوتي.. لا أريد أي شيء
الكتابة وحدها لها معنى.
العزلة تعني أيضا:
إلى الموت، إلى الكتاب..
جملة قالها ” لاكان ” أصبحت عندي شكلا من الهوية ومن المبدأ ومن ” الحق في القول ” :
(عليك أن لا تعرف ما الكتابة التي تكتبها، لأنك ستتيه.. حينها ستحل الكارثة).
عندما تجد نفسك في حفرة، في عمق حفرة، في شبه عزلة شاملة وتكتشف بأن الكتابة وحدها هي التي ستنتشلك..
أن لا يكون لديك أي موضوع وأية فكرة عن ما تود الكتابة عنه..
ثم تجد نفسك أمام كتاب..
فراغ شاسع،
كتاب مفترض..
أمام لا شيء..
كتابة حية وعارية.
أعتقد أن الشخص الذي يكتب بدون أية فكرة عن الكتاب الذي يكتبه هو بيدين عاريتين وبرأس فارغة ولا يعرف من مغامرة الكتابة هذه التي هو مقبل عليها سوى كتابة جافة وعارية، بدون أفق، بدون صوت..
بينما الكتاب موجود ويلح علينا بالعمل على إيجاده وإنهائه حتى يستقل عنا ويغدو حرا طليقا عنك ومنك أنت الذي كتبته…
أعتقد أيضا، أنه بدون هذا الشك الأولي في الفعل نحو الكتابة لن تنوجد أية عزلة..
من الصعب أن تقود كتابا نحو قارئ؛ أي في اتجاه قراءته.
لولا أنني لا أكتب لأصبحت مدمنة مزمنة للكحول..
لأن الإدمان حالة عملية من الضياع تفقد القدرة على الكتابة…
الكتابة تجعلنا متوحشين جموحين.
كأننا قبل الحياة
كتابة متداخلة مع الحياة ؛
إنها وحشية الغابات:
التوجس والخوف من كل شيء.. شرسين..
لا نكتب بدون قوة الجسم وصلابته وعنفوانه..
أقوياء أكثر من كل ما نكتبه..
إنها ليست فقط الكتابة والمكتوب؛ بل الصراخ
l’ècriture. L’ècrit. Les cris
صراخ الوحوش في الليل.. صراخ الكل
صراخي وصراخكم.. إنها سوقية الجموع اليائسة
إنه الألم.. المسيح وموسى والفراعنة واليهود…
ترجمة: عبد الكريم أوشاشا