ثقافة

توفيق الحكيم في حوار نادر مع الموسيقار محمد عبد الوهاب : هل توجد في مصر سينما لأؤلف لها؟

 

لو سات أنفو محسن برهمي:

في عام 1953 أجري حوار نادر جمع بين الأديب توفيق الحكيم، والموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب عن مجلة الكواكب، بعدما أدلى توفيق الحكيم بتصريحات عدة حول صناعة السينما، حيث صرح أن السينما تتأخر عن كافة الفنون الأخرى في مصر مما أدى إلى موجة غضب كبيرة. كان توفيق يخشى السينما طوال حياته، فقد كان يراها فنا هزيلا حيث صرّح “لن تموت رغم هزالها، لأن الجمهور يعتبرها من مكيفات الحياة كالسيجارة والقهوة” كما نصح القائمين عن السينما قائلا “عليهم تحسين بضاعتهم والرقى بأهدافها، أما المسرح فهو نوع من اللهو الرزين الذي يقدم في محيط أضيق، ولذلك لا يعيش هذا الفن إلا إذا كان له هدف وسياسة واضحة”.

محمد عبد الوهاب: لماذا أنت بعيد عن التأليف للسينما؟ ونحن في مصر أحوج ما نكون إلى ثمرات الفكر المرتب العميق؟

توفيق الحكيم: وأين هي السينما لأؤلف لها؟! هل توجد في مصر سينما! (إنها خيال ظل) هل تظن يا أستاذ عبد الوهاب أن ما يعرض على الشاشة المصرية الآن قريب الشبه من الفن السينمائي، إننا نعبث بهذا الفن الرفيع؛ نعبث بالصناعة الثانية في مصر لقد دخلها هواة يملكون القليل من المال والكثير من «البجاحة» وعملوا خلطة بين المال القليل والجرأة المكروهة المتزايدة من هذه «الخلطة» الفيلم المصري؟ أين أيام «غرام وانتقام» و«رصاصة في القلب».. هل ظهر فيلمان مثلهما من بين الثمانين فيلما التي تنتج سنويا في مصر؟ لقد كان رائد المنتج قديمًا الاتقان ما أمكن وعدم البخل في النفقات، أما اليوم فلا شيء من هذا، إنني على استعداد لتكريس فني وعقلي وتفكيري للتأليف للسينما، إذا ما أصلح المنتجون إنتاجهم وفهموا رسالة السينما على وجهها الصحيح.

عبد الوهاب: وما هو العلاج للنهوض بالسينما من كبوتها؟

توفيق الحكيم: يجب أن يفرض نظام “التخصص” فلا يندمج المنتج والمخرج والممثل الأول ومؤلف القصة ومؤلف الحوار في شخص واحد، إن في أمريكا مؤلفا واحدا للقصة، وإدارة قائمة بذاتها للحوار بها عشرات من “الفطاحل المتخصصين”، ويوجد هناك أيضًا فرع لكتابة النكتة التي تتخلل الحوار، وذلك إلى جوار المخرج القدير فالتخصص واجب. ثم لا يجب أن يكون الإنتاج “كلفتة” و”سلق بيض”، بمعنى أن ينتهي المخرج من إنتاج الفيلم في خمسة عشر يوما، كما يحدث اليوم، بحجة أن ايجار الاستديو يكلف المنتج غاليا. ويجب على الممثل أن يدرس دوره جيدًا ولعدة شهور، وأن يعيش في جو القصة ويعرف كل دقائق الرواية؛ دوره ودور غيره أيضًا، لا أن يدخل البلاتو دون أن يعرف في أي رواية سيمثل وأي دور سيقوم به وأي كلام سيقوله، ويكتفي بأن يعرف شيئًا واحد هو أن المنتج الفلاني وقع معه عقدا ليلقيه في البلاتو الفلاني، ويجب أخيرًا أن يكون المخرج رجلا يفهم دقائق فنه، لا أن يكون قد دخل مهنة الإخراج من باب عدم وجود وظائف أخرى.

وعبر عبد الوهاب عن رأيه في الموضوع قائلا: ” وأنا أيضا أرى ان الحكومة عليها أن تتدخل لحماية صناعة السينما في مصر، إنها تتدخل لحماية الأكواب والجوارب، ولا تتدخل لحماية صناعة السينما في مصر، وتعتبر استيراد الأفلام الخام وآلات السينما من الكماليات مثلها مثل “النبيذ الأحمر”، يجب أن تتدخل الحكومة بفرض ضريبة على الأفلام الأجنبية، وأن يكون للأفلام المصرية الأولوية في دور العرض. كذلك يجب أن تلغي الحكومة أو في القليل تخفض من القيود المالية بين مصر والدول العربية، وأن تساعد على فتح أسواق ثابتة للفيلم المصري في هذه البلاد، بإطلاق حرية تداول النقد فيما يتعلق بتجارة الأفلام المصرية في البلاد العربية، لأن المنفس الوحيد للفيلم المصري هو في هذه الأسواق العربية، وكذلك يجب على الحكومة فتح هذه الأسواق بإجراء تسهيلات وعروض سخية في هذه البلاد. هذا هو واجب الحكومة لكي تنتعش الأفلام المصرية.

وتابع ” ثق بي يا أستاذ توفيق، إذا شعر المنتج المصري أن فيلمه سيجد سوقًا رائجة في البلاد العربية وأنه سيدر عليه دخلا محترما، فهو لن يتردد في الإنفاق، في سبيل إنتاج فيلم كامل تفخر به الصناعة وتفخر به البلاد”.

وأكمل حديثه “لقد أنفقت سبعين ألفا من الجنيهات على فيلمي {رصاصة في القلب} وإنني إلى اليوم أتلقى دخلا محترما منه.. لأنه متقن إلى حد كبير على الرغم من مرور سبع سنوات على ظهوره على الشاشة، وهذا يحفزني إلى الدعوة إلى الاتقان وعدم الخوف من الإتقان لأن ما سينفق سيجيئ مضاعفًا”.

فأجابه توفيق الحكيم: “طيب لما انتا كده، جاي تأخذ مني حديث ليه؟، ما هو أنت فاهم المسألة كويس”

المصادر:

+ موقع الأهرام

+ موقع بوابة دار الهلال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى