فن

السينما و النوستالجيا: العودة إلى الزمن الساحر

عبد الإله إصباح

كثيرا ما اشتغلت السينما على تيمة النوستالجيا في العديد من الأفلام العالمية، وهي نوستالجيا إما إلى يوم محدد، أو الى مرحلة من الزمن الماضي، وغالبا ما تنصب تلك النوستالجيا على فترة الطفولة.وهناك بعض الأفلام التي تتعاقد مع المتلقي على تيمة الفيلم انطلاقا من العنوان  والإخراج الفني لملصقه. المخرج العالمي سرجيو ليوني اشتغل على هذه التيمة في تحفته الرائعة ” حدث ذات مرة في أمريكا” وبدءا من عنوان الفيلم نفهم أن تيمته تتناول مرحلة من زمن مضى. وأثناء المشاهدة يجد المشاهد نفسه منغمسا في مغامرات طفل في حي بنييورك، من خلال شغبه مع أطفال الحي, وتجاربه الآولى مع الجنس كل ذلك مرفوقا بموسيقى تصويرية تقوي الإحساس بمشاعر الحنين وانسياب الزمن.

فيلم ” سينما براديسو ” للمخرج الإيطالي جيوسيب توماتور هو احتفاء بأجواء الطفولة من خلال عودة البطل بذاكرته إلى هذه المرحلة، واستحضار شغفه الكبير بالسينما وانبهاره بها وإحساسه الغامر بالسعادة.

وهو يشاهد الأفلام، وزاد من مقدار النوستالجيا في الفيلم الموسيقى التصويرية للعبقري إنيو موريكوني وهو ما أهل الفيلم لأن يتوج بعدة جوائز في مهرجانات سينمائية مختلفة.

وقد لا تقترن النوستالجيا دوما بالعودة إلى مرحلة الطفولة، بل يمكن التعبير عنها باستحضار فترة من الزمن عاش خلالها البطل علاقة حب جميلة سرعان ما افتقدها عندما غيب الموت حبيبته، وهذا ما نستشعره من خلال فيلم ” خريف في نيويورك  ” الذي قام ببطولته ريشاد جير. فالعنوان وملصق الفيلم يعطيان منذ الوهلة الأولى دلالة مرتبطة بالحنين والافتقاد.

تيمة النوستالجيا حضرت ايضا في السينما العربية من خلال فيلمي يوسف شاهين ” اسكندرية ليه” و” اسكندرية كمان وكمان ” . ففي هذين الفيلمين يعود يوسف شاهين بالمشاهد إلى مراحل من طفولته ومراهقته، عندما كان مسكونا بحب السينما وحالما بان يصبح مخرجا. غير ان عودة يوسف شاهين بالمشاهد إلى الماضي تخلو احيانا من الرقة المألوفة في أفلام النوستالجيا بسبب كثرة حركة الكاميرا التي تعكس توثر البطل وقلقه وتوجسه من المستقبل

ونجح المخرج التونسي فريد بوغدير في جعل المشاهد ينشد إلى أجواء الماضي الجميل من خلال حكاية  طفل على أعتاب المراهقة، في فيلمه ” عصفور السطح” حيث النفس النوستالجي يطغى على السرد الفيلمي بالتركيز على الأجواء المبهجة في الحي من خلال احتفالات النساء و تجمعاتهن التي يهمين فيها الحديث عن موضوع الجنس، ومن خلال تغزل الشباب بالفتيات أثناء مروهن بين الأزقة في حضور الطفل الذي ينمو لديه الافتتان بالجنس الأخر و ينخرط هو الاخر في التغزل بفتاة الى أن تتاح له الفرصة في عيش اول تجاربه الغرامية التي يودع معها براءة الطفولة

وفي فيلمه ” صيف حلق الوادي ” تسود اجواء من السعادة والبهجة المرتبطة بمغامرات ثلاث مراهقات ذات  صيف بشاطئ حلق الوادي، وقد ساهمت مشاهد الشاطئ برماله الذهبية بتكثيف الإحساس بالرقة واستشعار طراوة رداد الأمواج….

واستطاع المخرج المغربي مومن السحيمي أن يعود بالمشاهد إلى مرحلة الطفولة،وجعله يستشعر الحنين الجارف من خلال فيلمه ” العايل” الحافل بلقطات من أزقة ودروب مدينة من مدن الشمال ولقطات الأعراس والاحتفالات بختان الأطفال، والتعبير عن اندهاش الطفل بتعرفه التدريجي على عالم الكبار وما يكتنفه من غموض وأسرار.

إن أي مخرج عندما يختار الاشتغال على تيمة النوستالجيا، يكون قد راهن على ما هو جوهري في كل فرد، باعتبار الحنين شعور يلازم الانسان كلما تقدم سنوات في مغامرة الحياة، ولذلك غالبا ما تحقق الأفلام التي قاربت هذه التيمة تجاوبا من المشاهد خاصة إذا تم تناولها بلمسة إبداعية  وحس شاعري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى