ثقافة

من هم أولاد جامع الفنا؟

 لوسات أنفو:

“ولد جامع الفنا” عبارة وظفت في السرديات المراكشية كشتيمة، و ظلت دليلا على نوع من الازدراء أو التمجيد لاشخاص يحتكمون لكل ما يكفي ليشكل آلة حية من الذكاء المحتال و المكر، و جاء عصرها الذهبي مع الراحل خوان غويتيصوللو الذي طبع شعار ” ولد جامع الفنا و أفتخر بذلك” على أقمصة وزعها بالمجان بالساحة.

لكن هذا النعت ظل لغزا يستبطن سؤالا محيرا: من هم ” أولاد جامع الفنا”؟ و كيف تشكلت هذه الظاهرة؟ و ماهي جذورها التاريخية؟ و من هي العينة البشرية التي تطلق عليها؟ و ظل الأمر كذلك، إلى أن أصدر الاستاذ مولاي عبد الله العلوي كتابه” جامع الفنا ألف حكاية و حكاية” الذي فك فيه هذا اللغز و أجلى التباساتها.

في الساحة لا يسود سوى مبدأ واحد هو الذي وضعه د.ه لورنس ” ضع ثقتك في الحكاية”. ففي عصر يساء فيه فهم كل شيء، تُضارِبُ جامع الفنا في لغز الحكاية و المكان، أيهما ممارسة للثاني؟ إنها المزايدة العميقة التي ينبني عليها سحرها، أو ذاك الانتقام المتبادل بينهما الذي يجعل هذا السحر يسكننا و يلاحقنا، ليذكرنا أنه كلما أظلمت الحقيقة سطعت الذاكرة. في أحد مقاطع الكتاب الذي نتحدث عنه، يقدم  المؤلف مولاي عبد الله العلوي رصدا سوسيولوجيا لافتا لنشوء هذه الظاهرة التي عممت على أفواه الناس تحت مسمى ” أولاد جامع الفنا”. من كانوا؟ و كيف جاؤوا إلى الساحة؟

 وبشكل مفاجئ يشكل مدخل الإجابة عن هذه الأسئلة، حديث المؤلف عن الدور العظيم الذي لعبته “الخبازات”. النساء اللائي اختصصن بمهمة بيع الخبز. فلا بهجة و لا فرح ولا انتعاش مع ألم الجوع. و عندما تمتلئ البطون تأذن للرؤوس بالغناء. كلنا كبرنا في ظل هذا الشعار النبيل. لكنهن اضطلعن أيضا، كما يشير بنباهة صاحب الكتاب، بدور اجتماعي كبير.

 يعيدنا هذا الدور مرة أخرى إلى أيام تواجد محطة الحافلات بجامع الفنا. حيث كان من ضمن من يفد إلى الساحة، عدد من النساء و الفتيات الحوامل (خارج مؤسسة الزواج طبعا). هاربات من قرى و مدن بعيدة. ” و كان أول مشهد يثير دهشتهن هو الحلقات. وكن بدون مأوى. فكانت الخبازات أول من يحتضنهن و يدبرن أمر إقامتهن و يستقبلهن في المنازل. حتى تضع الحوامل منهن حملهن. فكنت ترى أطفالا يلعبون قرب موائد بائعات الخبز. في انتظار أمهاتهن اللائي لا يأتين إلا عند المساء، بعد أن ينتهين من عمل دبرته في أحيان كثيرة بائعات الخبز. و قد كبر الأطفال و أصبح الذكور منهم ” فتوات” الساحة أو “حلايقية” أو تجارا في الممنوع و المشروع، أما الفتيات فيبعن الخبز أو يقمن بغير ذلك من الأعمال المشروعة و الممنوعة كذلك..”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى