روبورتاج

عاشوراء في دمنات: شيء ما تغير..

 

لوسات أنفو: خديجة بنيس

شهر بهيج

 ” بابا عاشور ماعلينا الحكام ألالة… عيد الميلود كيحكمو الرجال الالة ” تجتمع نساء وفتيات الحي، ويتغنين بهذه الأهازيج، معلنات عن بداية تأخر موعد دخولهن للمنزل على غير العادة  طيلة العشر الأوائل من شهر محرم، تعلو إيقاعات وأهازيج  “التبييضة الدمناتية” في  كل أرجاء المدينة، في أجواء يكسوها الفرح والبهجة احتفاء بعاشورا.

 

في هذه الفترة تعيش النساء روتينا مختلفا، ينهين الأشغال المنزلية باكرا، ويتفرغن ليعشن ساعات من البهجة إحتفاء بعاشور.تقول لالة جميلة إحدى نساء حي” إغير” بدمنات ” حشومة إلقانا المغرب(تقصد موعد أذان المغرب) فالزنقة ورجالنا مايخليوناش، ولكن فعاشوراعندنا الحرية كنبقاو نلعبو التبييضة حتى إيفوت العشا. “

   فما أن يعلن عن فاتح محرم حتى تبدأ التجهيزات والتحضيرات لإستقبال” بابا عاشور” الذي يعتبره الجميع فرصة للفرح، تُعِد النساء حلوى “القريشلات “من أجل “تعاشورت”،  تقدم مع الفاكية )الفواكه الجافة( ويتم تبادلها بين الجيران، وتقدم أيضا للأطفال في الليلة العاشرة من شهر محرم.

يسعد الأطفال بقدوم عاشورا، فهي فرصتهم للحصول على لعبة جديدة، بل أكثر من ذلك قد يكون عاشوراء بالنسبة للبعض منهم فرصتهم الوحيدة لشراء لعبة. فلطالما ارتبطت هذه المناسبة باللهو واللعب دون حسيب أو رقيب ،  تكون اللعبة  في الغالب عبارة عن سيارة أو مسدس  بالنسبة للذكور، دمية أو “طعريجة” بالنسبة للإناث.

ويعتبرها التجارأيضا فرصة للربح  وتلافي ما خلفه الركود الإقتصادي طيلة الشهورالأخرى، حيث تزدهر تجارة الألعاب البلاسيكسية والدفوف و”الطعارج” وتجارة “الفاكية”. خلال هذه المناسبة  هناك العديد ممن يمتهن هذه التجارة  بشكل موسمي  نظرا للرواج التجاري الذي يتحقق في هذه الفترة.  إلا أنها أصبحت تشهد تراجعا كبيرا خلال الأعوام الأخيرة يقول”السي علي” إنه اعتاد أن يشتغل في بيع ألعاب الأطفال البلاستيكية خلال هذه المناسبة  “…كان  عاشور كيخدم علينا العام كامل… دابا ماكاينشاي “يشرح أن ما كان يكسبه من تجارته خلال عاشوراء يساعده بشكل كبير في تلبية احتياجاته اليومية لبقية السنة ، إلا أن الأمر لم يعد كما كان في السابق، فالناس لم تعد تقبل على هذه  الطقوس والإحتفالات.

تبدأ الإحتفالات مع ظهور هلال فاتح محرم وتنتهي في اليوم العاشرمن الشهر، حيث يختتم سكان المدينة الإحتفالات بطقوس وتقاليد متوارثة،  فمن عادات أهل المدينة تحضير الكسكس ب” الكديد والكرداس”.

  تقول مي نعيمة من ساكنة البيرو في دمنات” ليلة عاشور كنطيبو كسكسو للعشا، والدراري كيشعلو “تشعالت”  وكيبقاو إنقزوها ونغنيو حتى تطفا وندخلو”. وتحكي مي نعيمة من عادات يوم عاشوراء أن االفيتيات يستيقظن في الصباح الباكر ليغسلن شعرهن بماء زمزم طمعا في أن يطول شعرهن، فنصف جمال المرأة شعرها. يعتقد الناس أن ماء صباح اليوم العاشر من محرم فيه بركة ماء زمزم،فبالإضافة إلى طقس غسل الشعر هناك طقس “زمزم”. الرش بالماء طمعا في البركة هي عادة متأصلة في الموروث الثقافي في احتفالات عاشورا، تقول مي نعيمة ” وخا إرشك شي حد مكتعرفوش ماعليك غي تصبر حيث هاذو هما تقاليدنا”.

 تغتنم المرأة الدمناتية وجاراتها، فرصة عاشورا لزيارة العروس الجديد التي تقضي عامها الأول في بيت الزوجية ، وتكون الزيارة محملة بمختلف الهدايا، ولكن من العادات الراسخة أن تكون هناك هدية  من “ذهب” ضمنها  سواء ” خاتم قلادة، إسورة ” كل أم حسب قدرتها وإمكانياتها.

مزيج من الثقافات

 تتعدد طقوس الإحتفال بعاشوراء في مدينة دمنات على غرار مختلف المدن المغربية،  ويعتبر الكاتب نصر الله البوعيشي أن مايميز احتفالات الدمانتة هو تداخل خليط من الممارسات والطقوس بعضها مستوحى من الثقافة الدينية الإسلامية  واليهودية وبعضها من الخرافات والأساطير المتوراثة عن الأسلاف؛ فيحرص المسلمون على صيام التاسع والعاشر من شهر محرم في كل عام باعتباره سنة مستحبة،وهو اليوم الذي نجَّى الله فيه موسى من فرعون، حين أمره الله أن يضرب بعصاه البحر.

ويصادف احتفال الدمناتيين بعاشوراء عيد هامان. يصوم اليهود في هذا اليوم ويقومون باحضار نبات شوكي ” ازكور” فيكومونه في مكان بوسط الملاح، ويصنعون دمية يضعونها فوقه ليشعلوا النار بها، ويبدأون بالطواف حول النار المشتعلة الى ان تخمد نهائيا. وفي اليوم الموالي يقومون بذبح عجل في مكان اشعال النار ويتبادلون الزيارات. وهي نفس طقوس اشعال النار في عاشوراء عند سكان ” دمنات ” من المسلمين مع بعض الاختلافات البسيطة .

  ويضيف الأستاذ البوعيشي أن عيد شفعوت عند اليهود أو ما يعرف محليا بالعيد ن”وامان” سمي بذلك لان بعضهم  يرش  البعض بالماء ، أملا في سنة مطيرة وقد عرفت هذه العادة انتشارا واسعا عند أوساط سكان دمنات المسلمين في عاشوراء.

تراجعت الطقوس الإحتفالية بعاشورا بمدينة دمنات، بشكل كبير ويمكن القول إنها في طريق الإندثار، ويرجع الأستاذ عبد الهادي زيدان باحث في التاريخ والتراث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة السلطان مولاي سليمان، تراجع الإقبال على هذه الطقوس إلى  مجموعة من التغيرات التي عرفها المجتمع المغربي، و التي جعلت هذه التقاليد عديمة القيمة في المجتمع، وفيما يخص الطقوس الإحتفالية بعاشورا فيرى الأستاذ زيدان أن العامل الأساسي في تقلص هذه الممارسات، وهي ظهور نزعة  دينية، يرى من خلالها البعض أن هذه العادات هي تقليد أعمى، والبعض الآخر يرى أنها ممارسات غير مقبولة وبالتالي تجب محاربتها.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى