مذكرات

حلقات من تاريخ نقابة مفتشي التعليم (7)

الحلقة السابعة: حين واجه المفتشون الدولة بلا سنتيم واحد

بقلم عبد الرزاق بن شريج ( عبد الرزاق بن شريج عضو مؤسسة لنقابة مفتشي التعليم
وعضو مكتبها الوطني لمدة 20 سنة)

تقديم: شهادة تُنقِّح ذاكرة التفتيش

هذه الحلقة من أصعب ما كُتب حتى الآن، إذ تتطلب دقةً مضاعفة لتجنّب أي خطأ أو إغفال. فالكثير مما يُتداول على شبكات التواصل، رغم أهميته، يشوبه التباس. لذلك استندتُ إلى وثائق رسمية وتواصلت مع بعض المؤسسين، وفي مقدمتهم الكاتب العام محمد الرباحي، إلى جانب الإخوة عبد الكريم زوهير وقويدر ختيري والأمين الوطني محمد البرمكي.
إنها شهادة تاريخية تُعدّ مرجعاً للأجيال المقبلة، لتصحيح كل كتابة غير دقيقة، ولتُخلّد لحظة نضال استثنائية.

1ـ قبل العاصفة: سياق احتقان غير مسبوق

كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الحلقات السابقة تجاهلت النقابات التعليمية الملف المطلبي لهيئة التفتيش رغم محاولات المفتشين شرحه وتبيان أهميته، سواء عبر عضويتهم في تلك النقابات أو من خلال جمعياتهم المهنية. وازدادت الأزمة حدّة بعد رفض وزارة التربية الوطنية فتح أي حوار مع الجمعيات المهنية للمفتشين، بحجة أن الجمعيات ليست ذات صفة نقابية.
في هذا المناخ الملبّد، صدر بتاريخ 10 فبراير 2003 مرسومان مثيران:
2.02.854: النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية.
2.02.857: تعويض تكميلي عن التفتيش.
هذان النصّان شكّلا شرارة تأسيس نقابة مفتشي التعليم يومي 4 و5 أبريل 2003، مع قرار حاسم بجعل الطعن فيهما أولوية قصوى، في غياب أي تمويل للنقابة الفتية.

2ـ مراسلات التحدي: نقابة بلا درهم تواجه الدولة

رغم ضيق الوقت وضغط التقادم، تحرّك المكتب الوطني بسرعة وبحرفية.
في 7 أبريل 2003، وجّه الكاتب العام محمد الرباحي مراسلات رسمية إلى وزير التربية الوطنية الحبيب المالكي والوزير الأول إدريس جطو، مذكِّراً بأبرز الخروقات:
تقليص اختصاصات المفتشين وعدم الاعتراف بدبلوماتهم.
ضرب مبدأ التراتبية ومخالفة ظهير الوظيفة العمومية.
تعويضات هزيلة أقل من تعويضات أطر يشرف المفتشون على تأطيرهم.
إقصاء من مهام التدبير والتسيير.
الوزارة اختارت الصمت، ما اعتُبر رفضاً ضمنياً للتجاوب.

3ـ الطعن التاريخي: قرار جريء بلا ميزانية

خشية سقوط الحق بالتقادم، اندفع محمد الرباحي يوم 11 أبريل 2003 إلى إيداع مقال الطعن أمام المجلس الأعلى – الغرفة الإدارية بالرباط، باسمه وباسم النقابة.
تمت مقاضاة الدولة ممثلة في:
الوزير الأول
وزير التربية الوطنية والشباب
وزير المالية والخوصصة
الوزير المكلف بتحديث القطاعات العامة
تولّى الملف النقيب محمد أقديم رفقة محامٍ شاب من فاس، في معركة قضائية هي الأولى من نوعها في تاريخ هيئة التفتيش.

4ـ السند القانوني: أسلحة النصوص والذاكرة

اشتغلت لجنة المكتب الوطني بتوجيهات من النقيب محمد أقديم، واستندت في إعداد الدفوعات والحجج إلى:
الظهير الشريف رقم 1.58.008 بشأن النظام الأساسي للوظيفة العمومية.
مراسيم تنظيمية سابقة (1975، 1980، 1986، 1989…) التي ضمنت للمفتشين حق التأطير والمراقبة والمشاركة في الامتحانات والبحث التربوي….

5ـ الدلالة العميقة: ميلاد نقابة مستقلة الإرادة

كان هذا الطعن أول مبادرة قضائية في تاريخ النقابة، معلناً ميلاد نضال نقابي مستقل يؤمن بالقضاء أداةً لحماية استقلالية هيئة التفتيش وصون مكتسباتها.
لقد أثبتت التجربة أن الحق ينتزع ولا يُمنح، وأن العمل المنظم يغني عن أي دعم مالي حين تتوافر الإرادة.

الخلاصة: درسٌ للأجيال

يوثّق هذا الملف لحظة فارقة في تاريخ التفتيش التربوي المغربي، لحظة قاد فيها كاتب عام شجاع نقابة بلا ميزانية إلى مواجهة الدولة دفاعاً عن كرامة هيئة التفتيش.
إنها رسالة بليغة بأن حماية الحقوق الجماعية تبدأ من التنظيم، والإرادة القوية والحنكة والتجربة لقيادته الوطنية ومِراسِهم في التغلب على الصعوبات، وأن اللجوء إلى القضاء أحد أهم أسلحة النضال ضد الخصوم، ولقد رسّخ هذا الملف قناعة المفتشين بأن استقلاليتهم وضمان مكتسباتهم لا يتحققان إلا بالعمل النقابي المنظم واللجوء إلى القضاء عند الحاجة لانتزاع الحقوق الجماعية للهيئة، وليس الطعن في الفروع، وخلق الفتنة بين الأعضاء …
فمسؤولية المكاتب الوطنية هي الدفاع عن الحقوق العامة للهيئة، وتوحيد صفوفها…

إشارة إلى القادم

في الحلقة المقبلة: نتائج الطعن القضائي، وكيف حُلّت معضلة مصاريف المحامي في غياب أي سنتيم في مالية النقابة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى