الحدث

هآرتس: هل ستبقى إسرائيل قائمة حتى 2040؟

ألوف بن

(نشرت جريدة هآرتس بالعربي الإسرائيلية يوم 12 يونيو 2025، هذه الافتتاحية التي تتساءل فيها عن قدرة إسرائيل على الاستمرار كدولة. ونظرا لأهميتها نعيد نشرها.)

كان المنشق السوفيتي أندريه أماليريك مؤرخاً شاباً في جامعة موسكو، عندما نشر عام 1970 كتابه الاستفزازي: “هل سيبقى الاتحاد السوفيتي موجوداً في عام 1984؟” بدت نبوءته طوباوية، لكن أماليريك تنبأ بدقة بعملية انهيار الإمبراطورية الحمراء، وأخطأ فقط بسبع سنوات في التوقيت، الذي اختاره كتحية لجورج أورويل. لم يحظَ برؤية تحقق رؤيته: فبعد أن سُجن في الغولاغ ونُفي من بلاده، قُتل في حادث سير في إسبانيا.

في إسرائيل عام 2025، تُقرأ إحدى فقرات أماليريك كلكمة في البطن. “حرب طويلة ومرهقة خاضها قادة متهالكون، أفرغت الحكومة السوفيتية من الموارد والشرعية” – هكذا تنبأ بالمحرك المؤدي إلى انهيار الاتحاد السوفيتي، حتى لو تنبأ بحرب ضد الصين، وليس بالغرق في وحل أفغانستان الجبلي. تماماً كما تنبأت تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية بهجوم من الشمال وليس من الجنوب، لكنها أصابت في تحديد الخطر عام 2023.

تساءل أماليريك “كيف سيصف مؤرخ مستقبلي تطورات بدت في حينها غير محتملة، وبأثر رجعي حتمية”. وفقاً لمنهجيته، يُطرح السؤال عما إذا كان من الممكن أن يكون زعيم إيران علي خامنئي محقاً في نبوءته، التي تقول إن إسرائيل ستتوقف عن الوجود في عام 2040، وفي تشخيص العملية التي قد تؤدي إلى ذلك. فالاتحاد السوفيتي لم يُهزم في حرب عالمية نووية، بل انهار من الداخل. وضد الانهيار الداخلي لا يوجد حل عسكري في شكل “منظومة دفاع متعددة الطبقات” أو قصف بعيد المدى.

بعد 20 شهراً من الحرب، تُظهر إسرائيل صموداً وازدهاراً. الشيكل مستقر، والبطالة منخفضة، والشواطئ والمطاعم في تل أبيب مكتظة. القتل والجوع في غزة يحدثان “في الإعلام الدولي” ولا يمسان الشارع الإسرائيلي، الذي يشكو أساساً من غلاء تذاكر الطيران إلى الخارج. لكن من حول ذلك تبدو علامات الانحطاط واضحة: الجريمة المستفحلة، والشرخ الداخلي، وفقدان الأمل. الاعتماد على أمريكا ترامب مطلق، حتى أن اليسار الإسرائيلي نفسه يرى الرئيس المتقلب كملاك سلام، كما يعلق عليه اليمين آمال الترانسفير. الإسرائيليون الذين يغادرون كل أسبوع مع أطفالهم إلى أستراليا (“رحلات الخروج”، ملحق هآرتس، 6.6) يشيرون إلى الاتجاه لا أقل من تباهي الجيش بـ”قائد آخر من حماس تم اغتياله”.

في مواجهة القلق المتزايد في الجمهور، تنفصل القيادة عن الواقع. رئيس الوزراء مُركز على نشر نظريات المؤامرة حول هجوم حماس، التي تهدف إلى اتهام “الكابلانيين” بالخيانة وتبرئته من مسؤوليته عن 7 أكتوبر. إليك حرق الأحداث لبنيامين نتنياهو: حتى بعد أن تقيل جميع المسؤولين، وتدمر غزة تماماً، وتنجو بطريقة ما في المنصب، ستُذكر في إسرائيل كقائد جلب الدولة إلى شفير الخراب، وفي العالم كقاتل جماعي أُصيب بهوس مسيحاني مدمر. عبادة الشخصية الدؤوبة التي يزرعها نتنياهو كبديل لمؤسسات الدولة، لا تؤدي إلا إلى تعزيز عزلته وقلقه من أعداء حقيقيين ووهميين.

وهكذا ينشغل المستوى السياسي بتعميق الشرخ الداخلي، بدلاً من إعادة بناء إسرائيل من أنقاض الانقلاب النظامي والحرب الأبدية. نتنياهو لا يريد ولا يستطيع أن يقدم حلاً. السيرة الذاتية المليئة بالمديح الذاتي التي نشرها قبل عام من الحرب تُقرأ اليوم كـ600 صفحة من اللا شيء، وليس لديه أيضاً أي بشارة للمستقبل، عدا المزيد من الدمار. ها هي فرصة فريدة لكل من يدّعون عرشه: بلورة رؤية لـ”اليوم التالي”، تُوقف التفكك الداخلي وتُفنّد نبوءة الإبادة التي أطلقها خامنئي. البند الأول في هذه الرؤية يجب أن يكون وقف الحرب، قبل أن تبتلع غزة إسرائيل إلى داخلها إلى الأبد. تماماً كما حذّر أماليريك حكام الإمبراطورية السوفيتية، الذين لم يريدوا أن يسمعوا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى