الرأي

هؤلاء مسؤولون عن آفة بيع الشهادات الجامعية بجامعة ابن زهر

عبد الحق غريب

ما كان للفساد أن يتغلغل ويتمدّد في مفاصل كلية الحقوق بأكادير، ولا ان يظهر إلى العلن “سوق” بيع الشهادات الجامعية ويزدهر، لولا ماستر “المنظومة الجنائية والحكامة الأمنية”.

وما كان لمنسق ماستر “المنظومة الجنائية والحكامة الأمنية” أن يبلغ ما بلغه من سلطة ونفوذ وثراء، لولا تواطؤ ودعم شبكة من الأطراف مَهّدت له الطريق ووفّرت له مظلة الحماية.

ولعلّ من ابرز أطراف هذه الشبكة التي مهدت الطريق لمنسق الماستر المثير للجدل ووفرت له الحماية، رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، وأربعة وزراء للتعليم العالي، ورئيسا جامعة ابن زهر، وعميدا كلية الحقوق، والنقابة الوطنية للتعليم العالي، والهياكل الجامعية، وبعض الأساتذة الباحثين بكلية الحقوق بأكادير ومن خارجها (الفريق البيداغوجي، لجن المناقشة…)؛ فضلا عن أطراف أخرى من خارج قطاع التعليم العالي، مهدت بدورها الطريق لمنسق الماستر المعني ووفرت له مظلة الحماية، نذكر على سبيل المثال لا الحصر القضاء الواقف والقضاء الجالس وزبناء الشهادات الجامعية والأطروحات المغشوشة.

ويزداد تواطؤ رئيسا الجامعة وعميدا الكلية وضوحا إذا اخذنا بعين الاعتبار حجم الشكايات والرسائل وبيانات النقابة الوطنية للتعليم العالي التي كانت موضوعة فوق مكاتبهم،

أين تكمن مسؤولية هذه الجهات المشار إليها أعلاه ؟

في ما يتعلق برئيس الحكومة السابق، عبد الإله بن كيران، فلا شك أنه يتحمّل، بالدرجة الأولى، المسؤولية الكبرى عمّا آلت إليه الأوضاع بجامعة ابن زهر، لأنه غلّب منطق التوافق السياسي مع حليفه نبيل بنعبد الله على الجدارة والاستحقاق، بعد ان وافق في 29 يوليوز 2015 على تمديد ولاية رئيس الجامعة آنذاك، والذي أمضى عشر سنوات على رأس جامعة ابن زهر (2011-2020)، كانت كافية لتُصنّف ضمن أكثر الجامعات فسادًا، إن لم تدخل إلى موسوعة غينيس من هذا الباب.

بالنسبة للوزراء، لا سيما الذين تعاقبوا على تسيير القطاع، منذ تفجّر فضيحة التحرش الجنسي بالكلية متعددة التخصصات بأسفي سنة 2013 (لحسن الداودي، سعيد أمزازي، عبد اللطيف ميراوي، وعز الدين الميداوي)، فإن جميعهم أخلّوا بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم وتقاعسوا عن أداء واجبهم، لا سيما في التعامل مع الأفعال الجسيمة المنسوبة إلى الأستاذ المعني، من قبيل تهم التحرش الجنسي وشبهة بيع الشواهد الجامعية وغيرها.

للأسف الشديد، لم يُفعِّل أيّ وزير منهم الصلاحيات القانونية المخولة له بموجب النظام الأساسي للوظيفة العمومية (المادة 73)، والنظام الأساسي لهيئة الأساتذة الباحثين (المادة 8)، وقانون المسطرة الجنائية (المادة 42) وباقي القوانين والتشريعات الجاري بها العمل، رغم أن تلك الأفعال كانت موضوع شكايات، ومراسلات، وتقارير صادرة عن المفتشية العامة للوزارة، وبيانات النقابة الوطنية للتعليم العالي، فضلًا عن الوقفات الاحتجاجية التي نظّمها الأساتذة الباحثون ضد منسق الماستر وممارساته وأفعاله المشبوهة، سواء في الكلية متعددة التخصصات بأسفي او كلية الحقوق بأكادير.

ولأن المناسبة شرط، فمن الضروري التوقف قليلا عند دور وصلاحيات الوزير في تعيين رؤساء الجامعات، لفهم تغليب منطق الولاء والانتماء على حساب الجدارة والاستحقاق، والذي ساهم بشكل كبير في تطبيع الفساد داخل الجامعة وتغلغله في جميع مفاصلها وتفكيك أسس الحكامة والشفافية.

وفي هذا السياق، لا بد من التذكير بالمطلب الذي ما فتئنا نطالب به منذ سنوات، والمتمثل في ضرورة إعادة النظر في طريقة تعيين رؤساء الجامعات، حيث أكدت التجربة بما لا يدع مجالًا للشك أن الوزير هو الذي يختار الرئيس الذي يريد، بعد أن يُشكّل لجنة على المقاس، فتتحول بذلك مباراة شغل منصب رئيس الجامعة إلى مجرد مسرحية..  أما معيار الكفاءة والجدارة وتكافؤ الفرص المنصوص عليها في الدستور، فتلك شعارات للاستهلاك فقط، ما دام الانتماء الحزبي والمحسوبية والزبونية والولاء هي المحدد الحقيقي في اختيار الرؤساء، الذين لا همّ لأغلبيهم سوى التشبت بالكرسي وإرضاء أولي نِعَمِهم (وكذلك الأمر بالنسبة للعمداء والمدراء).

أما رئيسا جامعة جامعة ابن زهر (الحالي والسابق) وعميدا كلية الحقوق بأكادير (الحالي والسابق)، فإن المسؤولية التي  تقع على عاتقهم جسيمة ومباشرة، باعتبارهم الرؤساء المباشرين لمنسق ماستر “المنظومة الجنائية والحكامة الأمنية”، والمسؤولين بقوة القانون على كل ما يجري داخل أسوار مؤسساتهم.

ما يثير القلق في السنوات الأخيرة هو حالة التيه الذي باتت تعيشه النقابة الوطنية للتعليم العالي، فلا هي تمكنت من الدفاع عن المكانة الإعتبارية للأساتذة الباحثين وصون كرامتهم، ولا هي اضطلعت بدورها في مواجهة الفساد المستشري داخل الجامعة وتنقية بيتها.

فبالإضافة إلى تقاعسهم عن اتخاذ أي إجراء في إطار الصلاحيات التي يخولها لهم القانون 00-01 (لا سيما المواد 16 و21 و23) وقانون المسطرة الجنائية (المادة 42) وباقي القوانين والتشريعات الجاري بها العمل، فإنهم ظلوا يوقعون ويختمون على جميع الوثائق المرتبطة بماستر “المنظومة الجنائية والحكامة الأمنية” (طلبات الاعتماد، الملف الوصفي، الدبلومات، صرف الميزانية…)، رغم توفّرهم على قرائن وحجج تفيد تورط منسق الماستر في ممارسات تتعلق بشبهة بيع الشهادات وبتجاوزات خطيرة تخدش صورة الجامعة وتمسّ بمصداقية شواهدها.

ويزداد تواطؤ رئيسا الجامعة وعميدا الكلية وضوحا إذا اخذنا بعين الاعتبار حجم الشكايات والرسائل وبيانات النقابة الوطنية للتعليم العالي التي كانت موضوعة فوق مكاتبهم، إضافة إلى تقارير لجان التفتيش والمراقبة (المجلس الأعلى للحسابات، المفتشية العامة لوزارة التعليم العالي)… ولا احد حرّك ساكنًا.

وفي ما يخص النقابة الوطنية للتعليم العالي، كيف لها أن تضطلع بدور ريادي في محاربة الفساد والدفاع عن سمعة الجامعة العمومية ومصداقية شواهدها بكل حزم ومسؤولية، وبعض قيادييها متورطين في ملفات الفساد والشواهد “القيلشية” وغير ذلك من مظاهر الفساد…

لنتكلم بصراحة، ومع كل التقدير والاحترام لتاريخ المنظمة العتيدة ولمناضليها ومناضلاتها، إن ما يثير القلق في السنوات الأخيرة هو حالة التيه الذي باتت تعيشه النقابة الوطنية للتعليم العالي، فلا هي تمكنت من الدفاع عن المكانة الإعتبارية للأساتذة الباحثين وصون كرامتهم، ولا هي اضطلعت بدورها في مواجهة الفساد المستشري داخل الجامعة وتنقية بيتها.

لذلك، وبعد فضيحة بيع الشهادات الجامعية بجامعة ابن زهر، لم يعد مقبولًا أن تظل الأجهزة الوطنية والجهوية والمحلية للنقابة الوطنية للتعليم العالي في منأى عن المساءلة والمحاسبة، بعد أن ثبت بالدليل أن انتشار الفساد وتفشيه في مفاصل المؤسسات الجامعية لم يكن بمعزل عن صمتها المريب او تواطؤها المكشوف في بعض الاحيان. والأمثلة عديدة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

1- المكتب الجهوي الذي اصدر بلاغًا دعا فيه الأساتذة الباحثين إلى عدم المشاركة في الوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها مختلف الهيآت التقدمية بالجديدة أمام رئاسة جامعة شعيب الدكالي، تنديدًا بالفساد المستشري داخل الجامعة، ومساندة لأستاذ عضو في اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي، كانت رئاسة الجامعة قد رفعت ضده دعوى قضائية. لقد اختار المكتب الجهوي، بشكل يثير الاستغراب والاشمئزاز، الاصطفاف إلى جانب الإدارة، لا لشيء إلا لأن الكاتب الجهوي تجمعه علاقة صداقة برئيس الجامعة.

2- مكتب محلي بالجديدة يوجد على رأسه أستاذ متورط في التحرش الجنسي حتى أخمص قدميه، وهو معروف داخل مؤسسته بابتزازه للطالبات…

وفي سياق الحديث عن النقابة الوطنية للتعليم العالي، لا تفوتنا المناسبة دون أن نشد بحرارة على أيدي الفرع الجهوي بجامعة ابن زهر، وكذا المكاتب المحلية بأكادير وآسفي، مع تثمين عالٍ لكل ما قاموا به لفضح الفساد ومواجهة الأستاذ المثير للجدل، بكل شجاعة ومسؤولية، سواء عبر إصدار بيانات شديدة اللهجة أو تنظيم وقفات احتجاجية.

أما بخصوص مسؤولية الهياكل الجامعية والاساتذة الباحثين في ما آلت إليه الأوضاع بجامعة ابن زهر بشكل عام وكلية الحقوق بشكل خاص، فإن هذا موضوع ذو شجون.. موضوع ذو شجوووووون… لذلك، ولأن المجال هنا لا يتسع للغوص فيه،  ارتأينا ان نخصص له مقالا مفصلا.

في الختام، يحق لنا ان نطرح السؤال الجوهري التالي :

هل ما جرى من تجاوزات بجامعة ابن زهر، وعلى رأسها ما يرتبط بماستر “المنظومة الجنائية والحكامة الأمنية” بكلية الحقوق، تمثل حالة شاذة ومعزولة، أم أننا أمام آفة حقيقية تنخر اغلبية المؤسسات الجامعية بأكادير وباقي المدن المغربية ؟

ثم ما السبيل إلى أن تستعيد الجامعة العمومية عافيتها لتلعب دورها الطبيعي في المجتمع وتظل بمنأى عن الفساد والمفسدين ؟

هذا السؤال ما كنا لنطرحه لولا وجود :

– وزراء ورؤساء الجامعات وعمداء ومديرين، القاسم المشترك بين أغلبيتهم هو غياب الاستحقاق وتغليب الولاء واعتماد سياسة “كم من حاجة قضيناها بتركها”، فضلا عن تشَبُّثهم المَرَضي بالكراسي؛

– مكتب وطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي يبدو تائهًا وعاجزًا عن الدفاع على الجامعة العمومية ومحاربة الفساد؛

– هياكل جامعية جلها تحولت إلى غرف للتسجيل وأساتذة باحثين أغلبيتهم يقفون موقف المتفرج أمام تفشي الفساد في الجامعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى