روبورتاج

“أكبر مقهى البريد”: مقهى الباشا الذي عبر تاريخ مراكش الحديثة

بقلم: ليلى أوتكيدوت

في قلب حي جليز بمراكش ، يقف مقهى “اكبر مقهى البريد”،هكذا سمي، شامخاً كرمز خالد يروي حكاية مدينة جمعت بين أصالة الماضي ورونق الحاضر. هذا المقهى الأسطوري لا يُعتبر مجرد مكان لتناول القهوة أو الأطعمة الشهية، بل هو لوحة تعكس التراث المغربي في مراكش الحديثة وتاريخها، وقد أعيد إحياؤه ليصبح تحفة معمارية وثقافية تسافر بزائريه عبر الزمن.

من محطة بريدية إلى ملتقى للنخبة

تأسس “اكبر مقهى البريد” في عشرينيات القرن الماضي، خلال فترة الحماية الفرنسية، في حي جليز الذي كان آنذاك رمزاً للتحديث والعصرنة خارج أسوار المدينة القديمة. حينذاك، كان المقهى يُعد مكاناً يجمع بين كونه محطة بريدية ومقهى راقياً يستقطب النخبة والطبقات الراقية.

يُروى أن الجنرال ليوطي، أحد أهم شخصيات الحقبة الاستعمارية، كان من زبائن المقهى، حيث اعتاد الجلوس في حديقته مستمتعاً بمشهد المدينة وأضوائها الساحرة. كان المكان يعكس حياة مراكش الحديثة، بعيداً عن صخب المدينة العتيقة، وشكّل نقطة التقاء للضيوف الأجانب والمغاربة من أصحاب النفوذ.

في الثلاثينيات، قام الباشا التهامي الكلاوي بتحويل المقهى إلى “فندق-مطعم-مقهى” تحت اسم “كافيه باشا”. هذا التحول جعل المقهى مركزاً اجتماعياً وثقافياً استقبل فيه أبرز الشخصيات المحلية والعالمية، مما عزز مكانته كأحد أبرز معالم المدينة.

عقود من التحديات والإغلاق

مع مرور الزمن، عانت مراكش من تغيرات اقتصادية واجتماعية انعكست على مكانة “اكبر مقهى البريد”. فقد المقهى بعضاً من بريقه، وأغلقت أبوابه لمدة اثني عشر عاماً، مما أثار تساؤلات حول مصيره. لكن الروح التاريخية للمكان لم تندثر، وكان لا بد من إعادة إحيائه ليعود إلى الحياة بحلة جديدة.

لنهضة الجديدة: بين الماضي والحاضر

في عام 2005، استحوذت عليه مجموعة فرنسية شهيرة تمتلك مطاعم بارزة في مراكش مثل “بوزين”، و”رياض رمت”، و”صاحبي صاحبي”. كان الهدف من هذه الخطوة واضحاً هو إعادة إحياء المكان بروحه التاريخية مع لمسات عصرية تعزز من جماله وقيمته التراثية.

تقول مضيفة الاستقبال عن هذه المرحلة: “كان الهدف من إعادة افتتاح جراند كافيه دي لا بوست هو إحياء روح المكان الذي شكل جزءاً من ذاكرة مراكش. حافظنا على كل التفاصيل التاريخية، وأضفنا لمسات حديثة تُبرز جماله دون أن تفقده أصالته”.

تصميم فريد يعكس عبق التاريخ

يقابلها مطبخا مفتوحا وهو يعج بالنشاط، محاطاً بطاولات مخصصة لتقديم المأكولات الشهية. يتوسط المكان ديكور مستوحى من الطراز الكولونيالي، مع أرضية مبلطة بالأبيض والأسود، ونباتات طبيعية تملأ الزوايا، مما يضفي على المكان طابعاً حميماً ومميزاً.

كل زاوية في المقهى تحكي قصة. الأثاث الخشبي العتيق، والتفاصيل الدقيقة في التصميم، والديكور الذي يجمع بين الطراز المغربي والكولونيالي، كلها عناصر تجعل من زيارة المقهى تجربة غنية بالمعاني.

 بين الأصالة والحداثة

اليوم، أصبح المقهى وجهة لا غنى عنها لزوار مراكش وسكانها. فهو لا يقدم فقط قائمة مميزة من الأطباق والمشروبات، بل يقدم تجربة ثقافية تجمع بين أصالة المكان واحتياجات الزائر العصري.

لمقهى ليس مجرد مكان لتناول الطعام، بل هو تجسيد للتاريخ والتراث”، تضيف مضيفة الاستقبال، مشيرةً إلى أن الزائر يشعر وكأنه يعيش جزءاً من الماضي في أجواء حديثة وأنيقة.

رمز حي لتاريخ مراكش

سواء كنت من عشاق التاريخ أو محبي التجارب الفريدة، فإن زيارة “جراند كافيه دي لا بوست” تمنحك لمحة عن مراكش في أبهى عصورها. إنه مكان يعكس روح المدينة، حيث يلتقي التراث بالعصرية في تناغم لا مثيل له.

الماضي الذي يعيش في الحاضر

يستمر المقهى في سرد حكايته كمعلم تاريخي لا غنى عنه في مراكش الحديثة. إنه مكان يعبر عن روح مراكش الفرنسية وتاريخها، ويمثل جسراً بين الأجيال. بفضل تصميمه الفريد وطاقمه المتميز، يظل هذا المقهى رمزاً حياً يجسد عبق مراكش وجمالها الخالد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى