روبورتاج

مُتحف المواسين: عندما تتحول الجدران إلى أوتار تروي الحكايات

بقلم: نجلاء رحمون

و أنت تغوص في أعماق حي المواسين ، و على بعد خطوات من مسجد المواسين التاريخي في قلب مدينة مراكش . يباغتك متحف المواسين واقفا شامخا كتحفة فنية تعكس عراقة المغرب. الذي يحتضنه رياض سعدي يعود للقرن السادس عشر ، هو اكثر من مجرد مكان لعرض التراث ؛ إنه فضاء حي يروي قصة المغرب عبر الموسيقى و الثقافة و الفنون .


في البداية، سيخالجك شعور غريب بسبب انعزال المتحف بعيدا عن صخب حي المواسين . و ايضاً لعدم ترميمه من الخارج جيدا ، يوحي هذا الشعور كأن المكان مهجورٌ. لكن سرعانما تُغير رأيك لحظة عبورك بوابة المتحف ، يتميز الرياض الذي يضم المتحف بالمساحات المفتوحة و الأقوس الحجريّة الجميلة ، بالإضافة إلى الفناء الداخلي المزين بالنباتات الخضراء ، مما يبوح بلون الحياة و تجدد روح الطبيعة و جمالية تعكس جوهر العمارة المغربية التقليدية.

أهمية تاريخيّة و ثقافيّة عميقة
” يصنّف متحف المواسين كواحد من أبرز المعالم الثقافية في مراكش ، فهو مقام داخل رياض يعود للقرن السادس عشر بُنيّ خلال العصر السعدي .
يعكس هذا المكان جمال العمارة التقليدية المغربية و ثراءها ، كما أنه يحتضن عناصر من التراث غير المادي مثل الموسيقى و الفنون و الشعر . وجوده في حي المواسين ، المعروف بمسجده التاريخي و أهميته الثقافية ، يضيف للمتحف قيمة رمزية كبيرة تجعله محطة لا غنى عنها لكل باحث عن الجذور الثقافية للمغرب .”المالك الحالي للمتحف باتريك ماناكه ( Patrick manac’h ) متحدثا .

تحول تاريخي من منزل خاص إلى متحف
كانت بداية متحف المواسين كمنزل خاص لعائلة أرستقراطية قامت ببناءه في ستينيات القرن الخامس عشر ، في الوقت الذي تم فيه إنشاء حي المواسين من قبل السعديين. في الآونة الأخيرة سكن المنزل عائلة “الملاخ” منذ عام 1956 و التي تضم الرسام “عبد الحي الملاخ ” الذي تملأ لوحاته أروقة المتحف ، ليقوم بشرائه “حميد ميغاني ” و “باتريك ماناكه” عام 2012 . يقول هذا الأخير ” تم ترميم المتحف بعناية فائقة ليصبح وجهة ثقافية مفتوحة للعموم . الترميم لم يكن مجرد إعادة بناء مادي ، بل كان مشروعا يهدف إلى الحفاظ على الهوية الثقافية المغربية و إبرازها . اليوم ، يُظهر المتحف كيف يمكن لمكان قديم أن يتحول إلى فضاء ثقافي يعبر عن الماضي و يربطه بالحاضر .

لماذا الموسيقى ؟
“ينبع اختيار متحف المواسين للاحتفال بالموسيقى من رمزيته كمكان للتبادل الثقافي و الفني . الموسيقى المغربية ، بتنوعها في الأنواع مثل الأندلسية أو الكناوة أو الملحون ، هي ركيزة ركيزة أساسية لهويتنا الثقافية. من خلال دمج الموسيقى في هذا المكان ، نكرم فنا يروي قصتنا و يحتفل بتقاليدنا و يجمع بين المكونات المختلفة لمجتمعنا . هذا الارتباط العميق بين الموسيقى و التراث المغربي هو ايضاً وسيلة لنقل تجربة غامرة و مثرية للزوار “. هكذا أجابنا صاحب المتحف “باتريك ماناكه ” على سؤالنا.

إرث للأجيال القادمة
أضاف “باتريك ماناكه ” ، “أن المتحف يلعب دورا أساسياً في نقل الثقافة الموسيقية المغربية للأجيال الجديدة. من خلال حفلات موسيقية ، و جلسات بروفة لفانين محليين ، ورش عمل ، و معارض تفاعلية ، يقدم المتحف تجربة تعليمية و ترفيهية في آن واحد. كما تحتوي أرشيفاته السمعية والبصرية على كنوز موسيقية تتيح للزوار التعرف على تنوع الموسيقى المغربية و ثرائها. المبادرات الرقمية التي يعتمدها المتحف توسع نطاق تأثيره ، لتصل رسالته إلى جمهور عالمي .”

هشام أحد زوار المتحف

آراء الزوار: تجربة لا تنسى
يحظى متحف المواسين ب إشادة واسعة من زواره الذين يعبرون عن إعجابهم بما يقدمه من تجربة ثقافية غنية . تقول “ماريا ” سائحة إسبانية:” كانت زيارة المتحف ساحرة ، شعرت بأنني أعيش أجواء التاريخ من خلال الموسيقى و الهندسة المعمارية المذهلة . حتى ابني الرضيع أعجب بالموسيقى و خصوصا الگناوية على ما يبدو لي .”

أما “جوناثان ” زائر من الولايات المتحدة الأمريكية، فيقول :” كان هذا المكان من أبرز محطات رحلتي ، الموسيقى المغربية تأخذك إلى عالم آخر ، و المتحف يوفر طريقة فريدة لفهم ثقافة المغرب “.

من جهتها ، تصف “كاميل ” من فرنسا تجربتها قائلة: ” التفاعل مع الموسيقى التقليدية داخل هذا المكان التاريخي كان مذهلا . أحببت كيف يتم عرض التراث بطريقة حديثة مع الحفاظ على أصالتها “.

أما “هشام” و هو شاب مغربي ابن المدينة الحمراء معبرا عن تجربته ” أنا ابن المدينة و زرت الكثير من المتاحف التاريخية المتواجدة هنا لكن زيارة متحف المواسين كانت مختلفة نوعا ما هناك شيئ يميز هذا المتحف و يجذبك لزيارته مرة أخرى “.

التحديات في مواجهة الطموحات

رغم نجاحاته ، يواجه متحف المواسين تحديات كبيرة من أبرزها تأمين التمويل اللازم للمشاريع ، و صيانة المبنى التاريخي و جذب جمهور متنوع ، بالإضافة إلى ذلك ، تبرز مسألة توعية الأجيال القادمة بأهمية التراث الموسيقي . و مع ذلك يعمل المتحف على التغلب على هذه العقبات من خلال برامج تعليمية و شراكات مع جهات محلية و دولية .

سطح المتحف، متعة أخرى

رؤية مستقبلية واعدة

يضع متحف المواسين خطة طموحة للمستقبل. على حسب قول ” باتريك ماناكه ” ، ” تشمل رقمنة أرشيفات المتحف لجعلها متاحة عالميا ، و توسيع مساحة المتحف لاستيعاب المزيد من المعارض و الأنشطة الثقافية ، وإنشاء إقامة للفنانين لتعزيز التبادل الثقافي و الإبداع الفني . هذه المشاريع تؤكد التزام المتحف بحماية التراث و تطويره ليظل حيا في ذاكرة الأجيال القادمة “.

المتحف كمصدر إلهام للعمل الثقافي
“إنه مكان يجمع بين الحفاظ على التراث ، و خلق حوار بين الماضي و الحاضر . العمل هنا ليس مجرد وظيفة بل رسالة لإبراز جمال الهوية المغربية .” عندما سئلت إحدى العاملين في المتحف عن سبب اختيارها للعمل في متحف المواسين هكذا ردت ” سهام الملاس ” .

فرص المشاركة و الدعم

شاركت معنا “سهام الملاس ” معلومات مهمة ، بأن المتحف يتيح للزوار فرصة المشاركة من خلال الجولات التفاعلية و العروض الموسيقية الحية ، كما يوفر برامج تطوعية و مبادرات تعليمية تستهدف المجتمع المحلي الدولي على حد سواء . دعم المتحف ليس مقتصرا على الزيارة ، بل يمكن أن يكون من خلال التطوع أو المساهمة في مشاريعه المستقبلية.

في النهاية ، يظل متحف المواسين شاهدا حيا على عراقة المغرب ، و جسرا بين الماضي و الحاضر ، إنه فضاء جامع بين التراث الموسيقي و الموروث الثقافي في تجربة فريدة و متميزة ، تهدف للحفاظ على الهوية المغربية و توريثها بكل تفاصيلها للأجيال المستقبلية. كما أنه يتيح دعوة مفتوحة لكل من يرغب في استكشاف هذه الهوية بعيون ثقافية و فنية . و أنت بزياتك للمتحف سترى كل هذا بنفسك .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى