الحقيقي هو المفيد
وليم جيمس
أقول أن الحقيقة صفة أو خاصية لبعض أفكارنا. فهي تعني اتفاقها مع الواقع تماما, مثلما يعني الباطل اختلافها معه. و كلا البراغماتيين و العقليين يتقبلون هذا التفسير كأمر ثابت و أكيد. و حيث لا تنسخ أفكارنا بالفعل و قطعا, موضوعها فهذا يعني الاتفاق مع ذلك الموضوع, ان البراغماتية تسأل سؤالها المألوف : فهي تقول ” اذا سلمنا بصحة فكرة او عقيدة, فماهو الفرق الملموس الذي يحدثه كونها صحيحة في الحياة الواقعية الفعلية لأي امرئ؟
ما هي الخيرات التي تختلف عن تلك الخيرات التي تحصل اذا كان الاعتقاد باطلا؟ كيف ستتحقق الحقيقة ؟ و بالاختصار ماهي القيمة الفورية للحقيقة مقدرة تجريبيا ؟
في اللحظة التي تسأل فيها البراغماتية هذا السؤال فانها ترى الجواب : الافكار الصحيحة هي تلك الافكار التي نستطيع هضمها و تمثيلها و دمغها بالمشروعية و تعزيزها و توثيقها و اقامة الدليل عليها, و الافكار الخاطئة هي التي لا نستطيع ذلك معها. هذا هو الفرق العلمي الذي يحدث لنا اذا كانت لدينا أفكار صحيحة. و من ثم فهذا هو معنى الحقيقة, لان ذلك هو كل ما نعرفه عن الحقيقة. ان حقيقة فكرة ليست خاصة او صفة كاسدة متوقفة عن التوقف او النماء وليدة ذاتها فيها. ان الحق يحدث الفكرة, الفكرة تصبح حقيقية او صحيحة, ان الاحداث تجعلها حقيقية و صحيحة. صدقها هو سبيل اثباتها لنفسها و سبيل برهنتها, ان صدقها و حقيقتها و مشروعيتها هو سبيل ترسيخها و الدفع بها.
ان الاتفاق في اوسع معنى مع حقيقة او واقع لايمكن ان يعني الا الاهتداء اما مباشرة على خط مستقيم و اما الى مكتنفاتها او مناهزتها و ملامستها علميا الى درجة تمكن من الامساك بها او بشيء مرتبط بها على نحو احسن و أوفى مما لو اختلفنا معها. أحسن اما عقليا او فكريا و اما علميا او اجرائيا. ان اي فكرة تساعدنا على ان نعالج الواقع او متعلقاته, و بحيث لا تعرقل تقدمنا في ضروب من حبوط المساعي و الكبت و بحيث تلائم و تزود و تناسب, في الواقع من الامر, حياتنا لوضع الحقيقة الواقعة برمته, سوف تتفق بمافيه الكفاية لملاقاة المطلب. و ستكون صحيحة بالنسبة لتلك الحقيقة الواقعة.
ان الحقيقي في اوجز عبارة ليس سوى النافع الموافق المطلوب في سبيل تفكيرنا تماما كما ان الصواب ليس سوى الموافق النافع المطلوب في سبيل مسلكنا.