هذا اسمي يسرد تفاصيله..سيرة فاطمة تزوت (الحلقة 11: محمد في بيت المقيم )
فاطمة تزوت/ كاتبة وناشطة يسارية
التحق محمد بالعمل كميَاوم في أشغال البلديات، تنقل خلالها من بستنة الحدائق وغرس الأشجار إلى تزفيت للطرقَات، وتبليط أرصفة الشوارع.
وكان المسؤولون عن مراقبة الأشغال هم الفرنسيون، فقد لاحظ المسؤول على المجموعة التي يعمل بها محمد نشاط هذا الأخير وإخلاصه في العمل وتفانيه، كما أثار انتباهه قدرته على التخاطب بالفرنسية، ليعلم بعد حين أنه يحسنها قراءة وكتابة، وسرعان ما تمت ترقيته ليصبح كبرانا على مجموعة من العمال،علماً أنه الأصغر سنّاً من بين العاملين بحيث لم يتجاوز سنه الثامنة عشر ربيعاً، كما بدأ المسؤولون الفرنسيون يستعينون به للترجمة أحيانا، صفات كثيرة قربته من مسؤوليه كالصدق والتفاني بإخلاص في العمل، والعلاقة الجيدة التي يسعى لخلقها في إطار المجموعة التي تحت مسؤوليته.
وصل صيت محمد للمقيم الفرنسي، وحدث أن مر ذات يوم صحبة زوجته من ورش الأشغال، ولم يفته أن يسأل عن محمد.
فاجأته بنيته القوية وصغر سنه، وحين حادَثه ، أعجب بطلاقة لسانه وخفة دمه، فربّت على كتفه مخاطبا زوجته التي تابعت حوارها قائلا: هذا هو محمد الذي حدثتك عنه.
فوجئ محمد بإجراءات نقله لدار المعمر الفرنسي، قصد القيام بمهام محددة، كالتسوق لما يحتاجه بيت المعمر، والعناية بحديقة البيت “فيلا” وأخيرا تم تحميله مسؤولية أخذ ولَدَي المقيم من وإلى المدرسة، بعد أن حصل على رخصة للسياقة وسلمه المقيم سيارة صغيرة تفي بقضاء المسؤوليات الموكلة إليه في ظروف جيدة.
بنفس الجدية والمثابرة المعهودة انطلق محمد في عمله الجديد بدار المقيم ، ومع احتفاظِهم له برَاتبه الذي يتقاضاه من البلدية، وبعض الإكراميات التي يقدمها له المقيم مقابل ما يسديه من أعمال، تحسنت حالته للأفضل، بل وانعكس هذا التحول على كل جيرانه بالمجمع السكني، بفضل ما كان يوزع عليهم من خبز أبيض وفواكه ولحْم وخضر يحضرها محمد من دار المقيم من حين لآخر، وخٌصوصا حين يتم لقاء أو اجتماع مع ضباط وجنود ببيت المقيم. كان الزمن يعرف بعام البُون، المجاعة التي افتعلها المستعمر الفرنسي بين 1944/1945 والذي عانى من خلالها الشعب المغربي مجاعة فرضتها الحماية الفرنسية على توزيع وشراء المواد الغذائية. وقد يتجاوز العطاء سكان المجمع إلى بعض المعوزين في الزنقة 13 وبعض العجزة ممن لا معيل لهم. كان محمد يشعر بنشوة وفرح كلما ملأ الصندوق الخلفي للسيارة التي أصبحت رهن إشارته وهو يحملها ما يسدّ به رمق جيرانه و المعوزين من حيه، دون أن ينسى أو يتناسى للحظة أن هذه الخيرات هي خيرات وطنه ومن تربة بلاده السخية التي استولى عليها هؤلاء الملاعين وما كفاهم أن ينعموا بخيراتها بل أصبحوا يتحكمون في تصريفها ويحرموا منها أبناء الوطن وهم من حرثوا وزرعوا وسقوا وحصدوا ورعوا. ليستولي عليها الفرنسيون الغزاة يستولون على أراضيهم الفلاحية، ويسلبون منهم ماشيتهم من غنم وأبقار وخيول بالغصب، يعلم محمد جيداً أنه يخدم المستعمر عدو الوطن، لكنه كان يأمل أن يصل إلى ما يمكن أن يخدم به الجبهة المتقدة في الصراع بين الفدائيين والمستعمر من جهة ومن جهة أخرى يحاول ان لا يكون مثار شك أو ارتياب في علاقته معهم، فكان يسعى لنيل تلك الثقة من المقيم وأهله لعله يستطيع من خلالها أن يجد ما يخدم به قضيته الوطنية أو ما يمد به المدافعين من أبناء وطنه في جبهة الصراع القائم للتحرر من الاستعمار الغاشم.
وقد زاد من تحسين الوضع عودة والدته وعمته للنسيج وفتح المجال أمام النساء القاطنات بالمجمع، وسرعان ما تجاوزهن إلى القاطنات بدربهم. انطلاقا من أول خطوة، كاختيار أجود أنواع الصوف ثم المشاركة في حملها إلى ” عوينة الصابون “المتواجدة بساحة الفداء لغسلها بعشبة خاصة تسمى “تيغِيغشت” وتحمل لتنشر بسطح المنزل، ثم تمشط بمشط خاص يسمى “الخلخال” وتقرشل بِ”القرشال” ثم تغزل بِ” المغزل” لتتم بعد ذلك صباغتها بالألوان المختارة، ويبدأ نسيجها بعد وضع تصميم مسبق لنوع الرسومات المرغوب فيها لتبدأ عملية النسيج من طرف الراغبات في المساهمة للاستفادة ماديا بعد بيع المنتوج.
انتهى الفصل الأول من السيرة