مذكرات

إسكار“ISGARE” ..يوم الإحتفال بالربيع و الحياة

سلمى دجيل

على صوت زقزقة العصافير، وهدير مياه الساقية استيقظت. شمس بنعومتها اخترقت النافذة و لامست  وجهي و خطفت الرؤية مني، وشعري الخفيف يتطاير مع نفحات النسيم العليل، ورائحة زكية غريبة أتنشقها، إنها رائحة البراعم وزهور اللوز الجميلة.

مهلا! كأنه الربيع جاء؟ نعم لقد جاء الربيع، أقوم بسرعة خاطفة من فراشي إلى أمي:مرحا، مرحا ،لقد جاء فصل الربيع يا أمي.

أمي مبتسمة تقول لي: أجل لقد حل فصلك المفضل، و الآن عادت الطيور المهاجرة إلى ديارها من جديد، والفراشات بأشكالها سوف تزين فضاءنا.ألست تعودين إلى حيويتك ونشاطك في مثل هذا الوقت من السنة؟ إذا هيا إلى الحقول لمساعدتي…

ثلاثة أشهر من السعادة بدأت

لازلت أتذكر جيدا أنني كنت أستقبل فصل الربيع بعبارة: ثلاثة أشهر من السعادة بدأت، كنت أحب قدومه، لأن كل شيء في داخلي تشتغل وظيفته بشكل أفضل وطبيعي،  حتى أن شعور الإلهام و الإبداع يزوراني في مثل هذا الوقت من السنة، أتذكر أنني أقوم بتأليف أغنيات خاصة بالربيع، بلغة عربية ممزوجة بأمازيغيتي، أغنيات لا يفهمها غيري…

نحتفل به كالنوروزو

عشقي لهذا الفصل ليس بمحض صدفة، بل له مكانة خاصة عند سكان قريتي بأكملهم. لأعرفكم على قريتي أولا. هي قرية صغيرة جدا تسمى أديغان، تقع على الطريق الوطنية رقم 9 وتبعد عن مدينة ورززات حاولي 40km، محاطة بالجبال من كل جهة.

ولأن الربيع هو فصل العطاء، وفيه ترتدي الأرض أجمل أثوابها، و تتجلى فيه تفاصيل الحياة، فنحن سكان قرية أديغان نشكر قدومه ونحمد الرب عليه، و إذا كان الفرس و الكرد يحتفلون بعيد النوروزو، فنحن نحتفل بكروروز،ثمرة البهجة و الحياة.

ثمار كروروز“grourouz”

الربيع عندنا يرتبط كله ب شجرة اللوز، فعندما تزهر الشجرة، وتبدأ بتلات زهورها تتساقط، تخرج ثمارها التي لا يكتمل نضوجها إلا عند حلول فصل الصيف حيث الحرارة و الشمس يساعدان على ذلك،

يكون مذاق الثمار في فترة الربيع  لاذعا وحامضا لن تستطيع تذوقه، نحن نسمي هاته المرحلة(أي مرحلة خروج ثمار اللوز ذات المذاق الحامض)ب كروروز.

إسكار”isgar” يوم الإحتفال

تترقب النساء و الفتيات خروج ثمار كروروز، ليبدأ الإحتفال بفصل الربيع، في يوم يسمى ب إسكار.

بالنسبة لنا هذا اليوم مميز، وينتظره الكل من صغيرنا إلى كبيرنا بحماسة،

كانت القبيلة تستقبله بفلكلور أحواش، وعلى أهازيجه الرنانة يغني الكل ويرقص .

أما الفتيات، فيجتمعن ويذهبن في مهمة قطف ثمار كروروز، و الفول، وبعض حبات التين التي لا تزال مستوية، و أخريات يجمعن الحطب لإشعال النار…

في ذلك اليوم تحضر النساء طبقا أمازيغيا، مشهور هو العصيدة أو تروايت، ويحضر بطريقة ليست المعتادة عندنا، طريقة خاصة بذلك اليوم، إذ تعد ثمار كروروز و حبات الفول مع التين مكوناتها الرئيسية، لذا فطعمها يكون لاذعا وحامضا ويتحول لونها إلى لون الربيع، اللون الأخضر.

طقوس الإحتفال

لهذا الاحتفال طقوس خاصة، أولها:أن العصيدة لايتم تحضيرها داخل المطبخ أو أسمال كما نسميه، بل يجب أن تطبخ في مكان خاص من على الجبل، تحت صخرة كبيرة، نسميها إسلي”isli”، ولا يجب أن تأكل في طبق خاص أو صحن أو شيء من هذا القبيل، بل تأكل فوق الصخرة ذاتها بعد أن يتم غسلها و تنظيفها من قبل جيدا. وهو محرم عندنا أن تدخل هذه العصيدة البيوت، لأنها ستجلب فال شر لأهل البيت.

ثانيا:نساء من عائلة محددة يعتقدون أنهم السكان الأصليين للبلدة، هن من لهن الحق في القيام بطقوس الإحتفال، فتأتي إمرأة من هاته العائلة، لتتكفل بالطقوس، فتصنع حصانا أو أييس”ayyis”، من عجين الدقيق و الماء، ثم تزين بيضة ب الزعفران الحر، والكل يقف ويشاهد المراسم، ثم بعدها تسلم المهمة الثانية إلى فتاة من نفس العائلة، لتأخذ الصحن إلى مكان يسمى إغيران”ighiran”، وتتبعها الفتيات و النساء وهن يرددن أغنيات على إيقاع أحواش.

تصل الفتاة إلى المكان، حيث توجد هناك ساقية، تكاد نبتة الدفلة تغطيها، ثم ترمي بالحصان و البيضة المزينة، إلى شيء نعتقده يعيش هناك،(الجواد) كما تقول جدتي، نقوم بالأمر بنية فال حسن، ولكي يستمر ماء السواقي في السيلان دوما بدون انقطاع. بعد أن تنهي الفتاة العملية نفر جميعا إلى القرية اعتقادا منا أن الجواد أو ذاك الشيء، سيقوم من مكانه ويطاردنا، إن لم نبتعد عن مكان عيشه.

أعرف أن الإحتفال تتخلله خرافات كثيرة وغريبة، لكنني لا أنكر أنه كان سببا في فرحتنا و بهجتنا ذات يوم، وصنع لنا ذكريات باتت تسافر معنا أينما حللنا و ارتحلنا.

مع الأسف، هذه الطقوس لم يعد لها وجود اليوم، لأن سنوات الجفاف توالت على القرية. إنها اليوم أشبه بحلم جميل يتراءى فيه الريع بعيدا ومزهرا في وجداننا، ليبعث فينا الأمل بعودة الغيث ليعوض سنوات الجفاف الطويلة التي لم تصب الأرض فقط، وإنما القلوب أيضا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى