الفيلسوف عبد العزيز بومسهولي يحاضر بجامعة محمد السادس متعددة التقنيات ببن جرير
ممارسة التفلسف بمثابة نمط ثقافي يعيش على ضوئه الفيلسوف تجربته الخاصة
لوسات أنفو
ألقى الفيلسوف المغربي عبد العزيز بومسهولي يوم السبت فاتح يونيو 2024، محاضرة بجامعة محمد السادس متعددة التقنيات ببن جرير، في إطار مؤتمر الدراسات الثقافية الذي نظمه مركز الدراسات الإفريقية تحت إشراف الفيلسوف البروفيسو علي بن مخلوف و البروفيسور طارق صبري من قسم الدرسات الثقافية بجامعة ونسمنستر بلندن. وهو المؤتمر الذي جمع ثلة من المختصين في الدراسات الثقافية بالمغرب وفلاسفة مغاربة.
و اعتبر الفيلسوف عبد العزيز بومسهولي في محاضرته التي حملت عنوان ” الفلسفة و إعادة التفكير في الممارسات الثقافية” أن التفلسف يندرج ضمن الممارسة الثقافية التي يزاولها الفيلسوف كمهمة ثقافية في عالم اليوم، من حيث هو معني بكل شيء يحدث في مجرى الحياة الروحية التي تستوطنها المفاهيم وتصورات العالم وتحولات الفكر في قلب صيرورة الوجود من جهة أولى، ومن جهة أخرى فهو معني كذلك بكل ما يحدث في قلب الحياة اليومية بدءا من أبسط الأشياء وأتفهها أحيانا إلى أعقد الأمور وصرامتها.
و أوضح الفيلسوف المغربي أن ذلك يعود إلى كون الفيلسوف كائنا يوميا كأي كائن بشري، يعيش حدث اليومي بكل عنفوانه وحيويته الذائبة، في صحبة الفلسفة كفن للعيش، وكتفكير في اليومي، وفي الإمكانيات التي تحفل بها الحياة اليومية، ليس بوصفها معطيات يجود بها الزمان والوجود فقط، بل بوصفها أفقا لتشكل الخطابات السردية التي تنتج التصورات الثقافية بكل تنوعاتها. وهذا معناه ـ حسب قول الفيلسوف ـ أن ممارسة التفلسف بهذه الكيفية، بمثابة نمط ثقافي يعيش على ضوئه الفيلسوف تجربته الخاصة، كأسلوب للحياة ومن أجل الحياة، لذلك ليس ينفصل الفيلسوف عن أفكاره في تجربة التفلسف، كونه يعيش أفكاره،
و أكد عبد العزيز بومسهولي أن الكيفية التي يتخذها الفيلسوف كأفق للتفكير في الذات والآخر وأشياء والعالم، والتي لا تنفصل بوصفها تعبيرا ثقافيا، عن الحياة اليومية، هي في آن معا منتوج ثقافي، منظورا إليه من وجهة نظر الدراسات الثقافية كممارسة ثقافية داخل الحياة اليومية، وهي أيضا، إبداع مفهومي، منظورا إليه من وجهة نظر فلسفية محضة.
ممارسة التفلسف بهذه الكيفية، بمثابة نمط ثقافي يعيش على ضوئه الفيلسوف تجربته الخاصة
واعتبر أن التفلسف يتوزعه جانبان مهمان، الجانب الأول وهو الذي يتعلق بكل ما يجري من أحداث وتفاصيل يومية، والذي يسهم فيه بدرجة ما بانخراطه في المجال العمومي، كمجال للتعددية الثقافية، أي كمثقف منحاز لمواقف المدينة، كفضاء ثقافي لإنتاج الرؤى والممارسات الخطابية وفنون العيش والتعبير عن المواقف ووجهات النظر إزاء مشكلات الحياة؛ أما الجانب الثاني فهو المتعلق بمهمته كفيلسوف، معني بابتكار المفاهيم التي تحتفظ دوما بأشياء تقولها للمستقبل، للتاريخ، للحياة عامة، والتي لا تنبع من لقاء ذاتها، ككيانات قائمة بذاتها في عالم مفارق من فرط المثالية، وإنما انطلاقا من مشكلات الحياة البشرية، وانطلاقا من ممارسات ثقافية تعبر عن وجهات نظر حول العالم.
واستشهد الفيلسوف عبد العزيز بومسهولي بما قاله سارتر في ختام حديثه عنالقصدية كفكرة أساسية لفينومينولوجيا هوسرل ” لن نكتشف ذواتنا في عزلة موحشة، بل في تلمس الطريق، في المدينة، في وسط الحشود، بين شيء ما من بين الأشياء، بين أناس من البشر”. مؤكدا أنه بهذا المعنى يمكن التعبير عن القصدية كتوجه للأشياء ذاتها، كوعي بشيء ما، في وضعية مثاقفة تحتك بالعالم، لا انطلاقا من وعي يحتوي شيئا مافي ذاته، ولا انطلاقا من شيء ما يحتوي الوعي في جوفه، بل من حركة تتوجه نحو الشيء عينه، بحيث يكون الوعي على مسافة وعلى مقربة من محيط الأشياء التي يعيها، كونه وعيا يوجد في العالم “ملقى على الطريق العريض، محفوفا بالمخاطر، وتحت ضوء مبهر”. حيث أنه بهذا المعنى يمكن النظر إلى الثقافة بالمعنى الواسع كوحدة حياة وعي العالم التي يتحقق فيها التثاقف acculturation.
و أضاف في السياق ذاته أن أن ثمة أرضية مشتركة تجمع بين الفلسفة وبين الدراسات الثقافية، تتمثل في حقل الثقافة بالمفهوم العريض الموسع، والذي يعني الحياة المعيشة، كحياة ثقافية للجميع ومن أجل الجميع.مما يجعل من الفلسفة انشغالا بفن العيش، بحيث يصير اشتغال المتفلسفين عينه مندرجا ضمن الممارسات الثقافية الأخرى.
و شارك في هذا المؤتمر عدد من المختصين في الدراسات الثقافية المغربية و الفلاسفة كسعيد الرداد ومحمد الزرورة و مريم الهيتمي و مولاي ادريس معروف وادريس كسيكس و سعاد الدوادة و جمال باحماد و سعيد كريويد و مريم لوكريني و علي بن مخلوف و طارق صبري و حسن أوزال و عبد الصمد الكباص.