الحوار

الناقد السينمائي حسن وهبي: الرقابة تقتل الفن، والإبداع لا يحب الحدود

 

لوسات أنفو : محسن برهمي

في هذا الحوار نتناول مع الناقد السنيمائي و عاشق الشاشة الكبرى حسن وهبي، أسئلة السينما بين أزمة السيناريو والرقابة التي تقص أجنحة ابداع المخرجين، وتحرمهم من معالجة مواضيع شائكة داخل المجتمع المغربي، و نستدرجه للتفكير في الوضعية الصعبة للممثلين التي تجعلهم يتخلون عن حلمهم ومغادرة المجال بسبب تطفل أشخاص أخرين عن الميدان،  و دور شركات الإنتاج واحتكار بعضها المجال مما ينعكس سلبا على جودة المنتوج المقدم. و الأستاذ حسن وهبي اسم علم واضح في مجال النقد السينمائي، اشتهر بمقالاته المواكبة للتجارب السيميائية الدولية و المغربية، و بمجهوداته في إشاعة ثقافة سينمائية واعية من خلال تجربته الغنية في الأندية السينمائية.

عندما نتحدث عن المسلسلات أو الأفلام فنحن نتحدث عن السيناريو، لماذا هذا الضعف خصوصا في السينما المغربية؟

الرصيد الفيلمي هو نتيجة لرصيد ثقافي، رصيد اجتماعي، ورصيد سياسي، كل هذا يقتنيه السيناريست من الواقع ويحوله إلى غلاف حكائي وسردي تملؤه الأحداث المكونة للفيلم لتنتهي بنهاية مفتوحة أو مغلقة. هذا كله هو النموذج المعتمد عالميا، إلا أننا في السينما المغربية للأسف نفتقر إلى جميع هذه المواصفات التي ذكرناها سلفا، رغم وجود جوائز للسيناريو نجد غياب تام لسيناريست متخصص، لأننا فالحقيقة نجد أن المخرج هو نفسه السيناريست، فحتى إن كان السيناريو جاهزا لابد أن يقحم المخرج ذاته سواء للاقتراح أو إضافة تغيير في النص ما ينعكس سلبا على بناء الشخصيات والتعامل مع الزمان والمكان. السيناريو يدرس في المعاهد لمدة  خمس سنوات، ودراسة السيناريو لا تعني تدريس الإبداع، فالإبداع لا يدرس بل العكس التقنيات وهذ الأخيرة هي التي نحن في حاجة إليها، أذكر أن في عهد نور الدين الصايل تم توقيع اتفاقية بين المركز السينمائي المغربي واتحاد كتاب المغرب لكن لم تعطي ثمارها وبقيت حبر على ورق. إذن كخلاصة سيناريو جميل يقدم لنا فيلما جميلا، والعكس صحيح.

 ذكرت أمرا مهما وهو أن هناك اقحام لذات المخرج في السيناريو، أليست هنا لجن مراقبة في المركز السينمائي تمنع هذه الازدواجية في المهام؟

لا بالنسبة للجنة التي تمنح الدعم للأعمال السينمائية، تستقبل السيناريو ولا تتدخل فمن كتبه. فالسيناريو يبدأ من صاحبه ويتم مناقشته مع المخرج وحين يتم التدخل في هذا النص فنحن نعلم أنه تدخل مادي أكثر ما هو إبداعي عند البعض وليس الكل. وجود السيناريست مهم أثناء التصوير من أجل التشاور كي يخدم جمالية الفيلم كما يقول محمد أريوس. عندما نجد أن الممثل تحول إلى مخرج ثم إلى منتج يتبين لنا السينما ليست بخير. فالشخص المناسب في المكان المناسب.

في ظل هذا الضعف لماذا لا يقتبس السيناريست من الروايات خصوصا أن التجربة نجحت في أعمال سينمائية متعددة؟

مشكلتنا نحن مع الأسف، أغلب السيناريست قراءتهم محدودة للروايات والكتب، والقلة هي التي تفكر في تحويل نص روائي إلى عمل فني، بالإضافة إلى ذلك قلة الروايات في المغرب التي يمكن تحويلها الى عمل فني سواء من ناحية سيناريو أو توقيع اتفاقية مع كاتبها من أجل التحويل. في المغرب هناك مشكلة تواصل حقيقي بين السينما والرواية ويجب الاشتغال على هذه الإشكالية. استحضر مثال محمد بناني الذي صور فيلم الطفل الشيخ لكنه لم يقتنع بالمنتوج الفيلم فحولها إلى رواية حول نفس الموضوع هذا هو التكامل الذي أتحدث عنه، وناصر مخمير الذي كتب انطلاقا من نصوص روائية وأبدع في ذلك، إضافة الى طوق الحمامة المفقود هو تجربة رائدة في الكتابة السينمائية المنبثقة من الكلمة المكتوبة.

ماهو الخيط الناظم الذي من خلاله يمكن دمج السينما بالرواية؟

يجب أولا أن يكون هناك لقاء بين السينمائيين والروائيين من أجل اتفاق وشراكة حقيقة كإحداث مهرجانات تجمع هذين القطبين، وأيام دراسية ، ولما لا مؤتمرات فيما هو سمعي بصري وروائي . يجب أن نبحث عن هذا الرابط على غرار تجارب مصر، سوريا تونس… يكفي أن تكون هناك نية في هذا الدمج وغيرة على تحويل الرواية للسينما.

هل نقول إن السينما المغربية لها طابع مادي أكثر ما هو تثقيفي وترفيهي؟ 

نتوفر على رصيد سينمائي ما يقارب 400 فيلم طويل وروائي وأفلام وثائقية وأفلام قصيرة، لكن فعلا مع ظهور لجنة الدعم سنة 1980 بدأ تشجيع السينما ماديا، وبدأ غالبية المخرجين التفكير في الدعم أكثر من الإبداع والرؤية الإخراجية، واتباع مواضيع؛ المرأة، السجون، والصحراء خصوصا عندما بدأ دعم الإنتاج الصحراوي والحساني. هذا يدل على عدم توفرنا على مخرجين لديهم قيمة ذاتية وتفكير خاص لا ينتج فيلما إلا بعد قناعة شخصية وتجنب إخراج كثرة الأفلام. مثلا فيلم وشمة لمحمد بناني هو نتيجة لتكوين فلسفي، سينمائي حقيقي، سياسي. يجب أن نطرح سؤالا هنا، هل فعلا المخرج أوصل للجمهور مضمون الفيلم بعد الدعم المحصل عليه؟ وهل فعلا هناك رغبة في تطوير المنتوج السينمائي المغربي؟

هل هنا نحن نتحدث عن سينما تجارية؟ 

نعم، التي تخدم التهريج والضحك المجاني، ولا تطرح رسائل او تساؤلات أو تدفعك للتفكير، على عكس السينما الحقيقية التي تدفعك للتفكير أثناء مشاهدتك للفيلم أي لا تستطيع مجاراة القصة، وإنما تجد ان المخرج يتلاعب بك ليصل إلى مراده هو وليس ما تريده أنت.

هل يمكن أن نقول إن الرقابة هي العائق خصوصا منع معالجة مواضيع الثالوث المحرم؟ 

بالنسبة للثالوث المحرم حبذا لو وصل المخرجون لهذا المستوى. لنأخذ فيلم محمد بناني الذي عالج مواضيع شائكة متعددة؛ ناقش المثلية، التعصب، والخيانة بشكل سلس. الرقابة ليست مشكلة، ذكاء المخرج سيعالج جميع القضايا دون أدنى إدراك من طرف لجنة الدعم السينمائي، هناك لغة سينمائية يستطيع المخرج ان يتحدى بها أي رقابة. هذا لا يمنعني أن أقول أن هناك فعلا أفلاما تعرضت للرقابة .

الزين اللي فيك لنبيل عيوش  تعرض للمنع من وزير الاتصال، آنذاك حيث  عرى الواقع المغربي هل لهذا الغرض تم منعه؟

كل حكومة تريد رسم خط لها، في عهد نورالدين الصايل لم تكن الرقابة متشددة عكس الفاسي الفهري ظهرت هذه الرقابة، أو ما يسمى بالسينما النظيفة، شخصيا من تجربتي في المشاهدة أقول أن الإبداع السينمائي من حق المخرج ، لنا فرصة في انتقاده وأن نناقشه لكن بدون رقابة أو وصاية ،الرقابة تقتل الفن و الإبداع لا يحب الحدود, ففي الأبداع نجد النقاش العام وهذه هي الحرية، لما نفرض الرقابة على الكتابة والصحافة والإخراج.

الأفلام لا تكتمل إلا بعنصر أخر وهو الممثل، في نظرك لماذا أصبح المخرج يعتمد على ممثلي مواقع التواصل الاجتماعي؟

عندما نطرح فكرة فيلم ابداعي وخيالي فيجب نحن كمخرجين أن نفكر في الممثل الذي سيشكل إضافة للعمل، لأنه هو الذي يشكل واجهة الفيلم وجسر التواصل مع المشاهد، بحيث هو بمثابة ناقل للأحاسيس والتغيرات التي تقع داخل هذه الشخصية. الممثل اليوم يعاني على مستوى الأجر، شكايات متعددة تلك المتواجدة بالمركز السينمائي تجاه المخرجين بسبب مستحقاتهم المالية، دون أن ننسى اختيار الممثل حسب المدن المراد التصوير بها تفاديا للتعويضات المادية.

هل الممثل المغربي غير قادر على لعب أدوار متعددة ويكتفي بشخصية واحدة في كل أفلامه؟

نعم، في سينمانا المغربية هذا النوع ناذر، هناك نوع من النمطية فلو أخذنا مقاطع مختلفة لنفس الممثل سنجد أن حركاته وتعابير وجهه تتكرر. المرحوم محمد مجد مثلا لعب أدوارا مختلفة فعندما نريد أن نلعب دور المتشرد فعلينا فعلا أن نعيش التجربة، وليس الأداء السريع ،نحن اليوم في حاجة لممثل يتخلى عن اسمه وذاته حتى يستطيع المخرج ان يوظفه في قوالب متعددة بناء على الحكي السينمائي.

السرعة في الأداء، هل تقصد بها الأعمال الرمضانية التلفزية؟

بالطبع، نجد أن الحلقة مثلا تصور اليوم وتعرض غدا، والممثل لا يستلم السيناريو مكتملا، وأحيانا أخرى يرتجل ويفعل ما يحلو له، أنا متأكد أن نفس الممثلين سنجدهم في جل الأعمال التي ستعرض في مختلف المحطات التلفزية هنا يجب على الممثل أن يطرح سؤالا على نفسه، ما هو جديدي كممثل؟ هناك صعوبات فعلا لدرجة أن نفس اللباس يتكرر في مختلف الأعمال بل أن الممثل في بعض الأحيان يصور بملابسه الخاصة، مما أدى ببعض الممثلين بالاشتغال في المسرح والتلفزيون والإشهار عوض التركيز على السينما فقط. يجب أن نعتني بهذا الفن داخل البلاد كي نرى أعمالا في المستوى تستحق فعلا الجلوس لمشاهدتها.

هل فعلا شركات الإنتاج تخدم السينما ام هدفها مادي فقط؟

حضرت اجتماعا دعا له نورالدين الصايل جميع فعاليات السينما من أجل اقتراح أفكار لخدمة السينما المغربية، لكن يا للأسف، هذه الشركات كانت لها مطالب عوض مقترحات تساعدنا في التربية وبناء مجتمع حقيقي. ربما تكون هذه الغرف تعاني ماديا، لكن بناء على تجربتها فالمطلوب منها هو خدمة وتطوير السينما المغربية عوض صراع هذه الغرف فيما بينها بسبب ولائها لوزير معين أو جهة ما.

أخيرا تقييمك للسينما المغربية؟ 

لدينا كم هائل من الأفلام، وداخل الكم نبحث عن الكيف، و وسط أفلام كثيرة نجد بعض الأفلام هي التي تناقش بعمق وذات رؤية إخراجية معينة. لكن بصفة عامة حينما يكون الفيلم مقيدا بشروط، فكن متأكدا أننا لن نصل إلى سينما ذات بعد وفكر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى