يورغن هابرماس.. عندما يتخلى العقل عن النقد
بسبب العقدة التي تسكن وجدانه تغاضى هابرماس عن الهلوكست الراهن الذي يمارسه الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني
عبد الإله إصباح
وقع الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس بيانا تضامنيا مع الكيان الصهيوني يساند فيه ما ارتكبه ويرتكبه هذا الكيان من إبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني تحت مبرر أن إسرائيل دفعت للانتقام بهجوم مضاد مبرر من حيث المبدأ وأن رد فعلها ينبغي النظر إليه في ضوء حقها في الوجود مع الحرص على عدم الانجرار إلى معاداة السامية علما أن معايير الحكم على ” التصرفات الإسرائلية” تزيغ عن الطريق عندما يعزى إليها نوايا الإبادة الجماعية.
الجرائم الصهيونية بكل انواعها من استهداف متعمد للمدنيين و الرضع والأطفال والمرضى وتدمير الشقق والمنازل والبنيات التحتية والغارة على المستشفيات تتحول في قاموس هابرماس إلى مجرد “تصرفات إسرائلية” . يتم تغييب السياق التاريخي تماما في هذا الخطاب، السياق الذي يربط حدث طوفان الآقصى بالاحتلال الصهيوني لفلسطين باعتبار هذا الاحتلال هو جذر المشكل وجوهره، غير أن هذا السياق يندرج بالنسبة لهابرماس ضمن ما قبل التاريخ،و لا يهم هنا المقصود بهذه العبارة بما أن الغاية من البيان هي الدفاع عن العدوان الهمجي الصهيوني، فكيف ستتحقق العدالة إذا لم ينظر للمشكل من حيث أسبابه وعوامله؟ كيف يتحقق الانصاف إذا جردت القضية من حمولتها التاريخية؟ هذه الحمولة لا قيمة لها في نظر هابرماس و لا وزن لها لأنها أصبحت تنتمي إلى ما قبل التاريخ،وهابرماس وحده ما يملك سلطة تحديد ماهو تاريخي وما هو لا تاريخي، فعدالة القضية اصبحت بهذا المنطق الغريب لا تتأتى من بعدها الاخلاقي والإنساني، ولكن فقط إذا كانت لا تزال تحوز ميزة الانتماء إلى التاريخ، وطبعا سلطة التحديد لا يملكها أصحاب القضية، بل من يسيطر و يهيمن ويغتصب ومن ينظر لهذه الهيمنة والاغتصاب من فلاسفة على شاكلة هابرماس، فلاسفة للأسف لم يتخلصوا بعد من مركزيتهم الأوروبية التي تعطيهم الإحساس بأنهم وحدهم من يملكون سلطة تحديد المعايير الكونية، وسلطة تحديد الفضيلة و تعيين ما هو خير وما هو شر.
هابرماس فيلسوف النظرية التواصلية والنقدية يخونه حسه النقدي لآنه ما زال تحت وطأة الإحساس الجماعي بعقدة الذنب إزاء واقعة الهلوكست التي تقض مضجع الشعب الالماني، لأنه تواطأ بصمته في الجريمة ولم يبد أي مقاومة، بل فيه من ساندها وشجع عليها، وبسبب هذه العقدة المستحكمة في الشعور والوجدان يتغاضى هابرماس عن الهلوكست الراهن الذي يمارسه الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني، بل الأدهى أنه يبرره من منطلق ما يسميه حق الوجود ، وهو في الواقع حق الإبادة دون حساب أو مساءلة، لأن من تتم في حقه هذه الإبادة ينتمي إلى ما قبل التاريخ، تماما مثل عدم الانتماء إلى الحضارة الذي ساقته القوى الاستعمارية وهي تقوم بالإبادة الجماعية في حق مجموعة من الشعوب غير الأوربية، وهو المبرر نفسه الذي تدرعت به أمريكا في إبادتها للهنود الحمر. هو التعالي نفسه والعنصرية ذاتها التي لا زالت تحكم نظرة قطاع عريض من الساسة في الغرب وحتى بعض المفكرين والفلاسفة، ما يؤسف له أن فيلسوفا كبيرا مثل هابرماس يخونه حس الحق والعدالة فينحاز للمحتل الغاصب والإرهابي ضد مقاومة شعب يتطلع إلى تحرره واستقلاله وتقرير مصيره كبقية الشعوب.