مذكرات

يوسف الطالبي يواصل محكيات الطاكسي في زمن كورونا 6

الثامنة مساء هي الموعد الذي حددته الحكومة لتغلق جميع المحال أبوابها، حينما تدق التاسعة يجب أن يكون الناس في بيوتهم، تنصب الشرطة بعد ذلك سدودا على الطرقات وفي كل مدارة، سيارات القوات المساعدة تبدأ في التحرك قبل الموعد مشغلة أضواءها الخضراء ومنبهاتها، عون يحث الناس عبر مكبر الصوت على التعجيل بالإقفال وإخلاء الشوارع.
الوقت خريفا، وبدء العمل بالتسعيرة الليلية يحين أيضا الساعة الثامنة، أمام سائقي سيارات الأجرة ساعة واحدة للاستفادة مما يدعم به العمل بالتسعيرة المسائية مداخيلهم،، تعرف حركة الناس والعربات ارتفاعا وتسارعا، يسابق الناس الزمن للوصول إلى بيوتهم قبل الموعد، وتنتج عن ذلك حركة كتلك التي تسبق آذان المغرب في شهر رمضان، أحوال أغلب الناس لا تحتمل أداء غرامات بسبب خرق حالة الطوارئ الصحية، والأسوأ هو أن تصطادك دورية الشرطة وتأخذك إلى مقر الدائرة حيث ستبقى في وضع الموقوفين حتى الصباح، يحرر لك محضر بعد أن يتم تجميع كل من أوقفوا خلال تلك الليلة.
يسمح للطاكسيات أن يبقوا في الشوارع، حتى إلى ما بعد موعد سريان حظر التجول، ليس هناك من توصية أو إشارة إلى ذلك فيما تنشره وزارة الداخلية من تعليمات، لكن يعتقد السائقون أن سبب عدم تغريمهم من طرف ممثلي السلطة هو احتمال حاجة الحالات الاستثنائية لوسيلة نقل بالليل، أطر الصحة أو عناصر الشرطة، مسافرون بطائرة وصلت ليلا لمطار المدينة، ركاب القطار الأخير الذي يصل بعد الحادية عشرة بعشر دقائق، مرضى يحتاجون للوصول للمستعجلات، نساء حضرهن الطمت، لكن هذه الاحتمالات لن توفر شغلا لأربعة آلالف وثلاث مائة سيارة أجرة بين صغيرة وكبيرة، إذا لم يكن السائق قد حقق ما يغطي مصاريف السيارة ومقابل تعب يومه، يكون كمن عاد منهزما من حرب، السهر لن يفيده، قبل كرونا كانت مراكش لا تنام، على مدار الاربعة والعشرين ساعة هناك في الشوارع من يطلبون وسيلة نقل.
الجو ماطر والانارة في شارع الشاطبي خافتة، لولا الضوء المنبعث من الدكاكين التي تتهيأ للإغلاق لتعذرت الرؤية، أضواء سيارته المهترئة لا يكاد يرى حتى انعكاسها على الإسفلت أمامه، من زقاق مظلم يخرج من تالوجت، انبلجت ملوحة راغبة في الطاكسي، لاحت له كطيف، لم يتبينها بشكل جيد، كاد يتجاوزها،
حين استوت على المقعد المجاور له، ظهرت له بوضوح، فتاة في عقدها الثالث، شعر أملس وحاجبين وأشفار حالكة السواد تكسِّر شدة بياض بشرة صافية، كانت ترتدي بدلة رياضية ذات لون وردي، تشد صدرا ملحوظ النتوء وفخدين مكتنزين، وقت الخروج هذا وجلوسها على المقعد الأمامي ولباسها، كلها مؤشرات تجعل فكره يصنفها ضمن نوع خاص من الزبناء
– خويا.. واش،يمكن نكمي؟
سؤال جعل شكه يكاد يكون يقينا، ليس له موقف دائم وتابث من مسألة تدخين الزبناء في سيارته، يسمح بذلك مرات، ويعترض في أخرى، حالة مزاجه وانتظاراته من الزبناء، هي ما يقرر، حينما يحمل زبونا من المطار، لا يبدي اعتراضا على أن يشعل لفافة تبغ، وليصبغ على موقفه طابعا إنسانيا، يعلق أنه يتفهم أن الزبون لم يدخن من قبل أن يدخل مطار البلد القادم منه، وخلال زمن الطيران ثم الوقت الذي تأخذه إجراءات ختم الجوازات واستلام الامتعة وتفتيشها، ولهذا لا بأس من السماح له بذلك، في حقيقة الأمر، هو لا يكترث منذ متى لم يدخن الزبون، ولكن يسعى لأن يخلف انطباعا إيجابيا عنه لدى الزبون، خاصة وأنه سيستغل مسافة الرحلة إلى الفندق ليعرض عليه خدماته خلال مقامه بالمدينة.
يحفظ عن ظهر قلب عرضا موجزا بالفرنسية والانجليزية يقدم من خلاله مراكش، مدينة تنقسم إلى ثلاثة أقسام، المدينة العتيقة المسيجة بالأسوار، حيث توجد الساحة والمآثر والأسواق، القسم الجديد الذي شيده المعمر، وهناك تتركز المطاعم والعلب الليلية ومراكز التسوق العصرية، ثم منطقة النخيل، الواحة التي تحيط بمراكش حيث يمكن للسائح أن يستمتع بركوب الجمال او الدراجات الرباعية. بعد العرض عن جغرافية المدينة، واقتراح أن يكون دليل الزبون في زيارة للمدينة، ينتقل الى سرد رحلات يوم واحد، وادي اوريكة، الوديان الثلاث، صحراء أكفاي Agafay ، مدينة الصويرة، شلالات أوزود، وفي غمار محاولاته بيع خدماته كان يحاول التقاط ما يفيده في تحديد اهتمامات الزبناء، والتركيز على عروض دون أخرى. كذلك في الغالب، لا يلمس في نفسه القوة على رفض طلب البنات أيضا بالتدخين في السيارة، دائما يعلل بعلل إنسانية، البنات لا يستطعن التدخين في بيوتهن أمام أسرهن، عادة التدخين يحافظن عليها سرا على الأقل في سنوات البداية، وبالتالي فإنهن أول ما يغادرن البيت، يكون الطاكسي هو المكان المغلق حيث يستطعن التزود بحصة الجسد من النيكوتين، بالنسبة للبنات ليس هناك أي غاية براغماتية يخفيها، لا يقوى على رفض الطلب وحسب، هذا واحد من عيوبه.
رمت بعقب السيجارة من النافذة، وسحبت حاجب الشمس المتبث في سقف السيارة، تفحصت وجهها في المرآة خلفه، مسحت بكفيها على خذيها بضغط خفيف لتنشيط حمرتهما، أسدلت شعرها، سقطت جدائلها حتى استقرت فوق ركبتيها، تناولت مشطا من حقيبتهاومشطته، بدا نظيفا لامعا، أخرجت ملون شفاه أضفى على شفتيها لونا ورديا براقا، بدت له جميلة جدا، لوحة فنية تناسق فيها الأبيض والأسود والوردي، القرطان في شحمتي الأذنين والسلسلة المتدلية من الرقبة، والخاتم المرصع تزيدها جمالا، لكن كما يقول أهل مراكش “السر في الساكن وليس في المسكن”. كانت من ذلك النوع الذي تشتهيه النفس، تصورها على فراشه عارية يتأمل تضاريس جسدها. هذه النعمة لا تلتهم بطريقة حيوانية عادية، لابد أن تكون لها طقوس كشعيرة تعبدية.
بعد حصولها على شهادة البكالوريا، جاءت مريم من قصبة تادلة إلى مراكش لمتابعة دراستها بكلية الحقوق، كان حلمها أن تصير قاضية، ترسم في مخيلتها مشهدا تكون فيه مرتدية ثوبا أسود متوشحة وشاحا أخضر، على جنبيها رجال تترأسهم، تشكل معهم هيئة الحكم فيما يعرض عليهم من ملفات، عون تعينه المحكمة يقف أمام مكتبها، ينتظرها صباحا في موقف السيارات، يحييها منحنيا، يحمل محفظتها ويهرول لفتح المكتب قبل أن تصل إليه.
كانت تحلم أن تشغل منصب قاضية بمحكمة في قصبة تادلة، لن يكون نجاحها حقيقيا إلا إذا شهد عليه الناس الذين تعرفهم، تشعر أن في ذلك رد اعتبار لما عاشته من فقر وحرمان، أن تشتري فيلا من تلك الفيلات التي كان يسكنها كبار الضباط العسكريين، فيلات بأسيجة حديدية تتسلقها النباتات، بها فجوات تسمح برؤية حدائق شاسعة، أراجيح ومزلجات للأطفال، وطاولات وكراسي تتحلق حولها عائلات قاطنيها ساعة العصر، يخدمهم فريق بلانتوات plantons، منهم الطباخ والمنظف والبستاني والحارس والسائق.
كانت تقطع حي الضباط أربع مرات في اليوم في طريقها إلى الثانوية، تخرج من بيتهم بحي صون كاتورز cent quatorze حيث يسكن الجنود ذوو الرتب الصغيرة، بيوت واطئة تجمعت في ذلك الحي بطريقة عشوائية، لا يفصل بينها سوى ممرات ضيقة لا تسمح بمرور السيارات، كان كل سكان الحي من الجنود، لكن منذ أواخر الثمانينات بدأ الحي يستقبل مدنيين يبتاعون مساكن من مالكيها العسكريين، مع توالي سنوات الجفاف والهجرة نحو المدن، اتسع الحي حتى اتصل بحي البورديل الذي أنشأه الحاكم الاستعماري، وجلب إليه بغايا لجنود الثكنة العسكرية، كان منزويا عن المدينة، لكنه كما لو كان يزحف كل يوم شبرا نحو وسطها.
لم تر مريم قط أباها الفاطمي، فقد مات وهي مضغة في أحشاء زاينة، لم تتعرف عليه إلا من خلال صور قليلة ظلت تحتفظ بها أمها، في تلك المزينة بإطار خشبي، يبدو وكأنه ينظر مباشرة في عيني من ينظر إليها، كان يرتدي بدلته العسكرية دون قبعة، يبدو منشرحا، ابتسامة حقيقية لا تشبه تلك الابتسامات التي يتصنعها الناس أمام عدسات كاميرات المصورين، كانت أمها تولي تلك الصورة قيمة خاصة، تعلقها في صدر غرفة الضيوف، تحب أن يعلق عليها الزوار، فتكون مناسبة لها للإسهاب في الحديث عن الفاطمي، عندما كانت مريم تساعد في التنظيف الكبير للبيت، اعتادت أن تتلقى التعليمات بالمهام التي يجب أن تقوم بها، لكن دائما مختومة بنفس العبارة.
– دَوزي أبنتي شي مسيحة على الحيط وعنداك تطيحي صورة باك..
أن يتسبب أحدهم بحركة غير منتبهة في رج الصورة، أمر يثير ردة فعل مفزوعة، وتكون العائلة قاب قوسين من حدث جسيم.
مات الفاطمي في العراق، فقد أخذ إلى هناك ضمن تجريدة مغربية شاركت في عاصفة الصحراء في إطار تحالف دولي لتحرير الكويت، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. لم يعجب موقف الحسن الثاني ذاك غالبية المغاربة، فعمت البلاد مظاهرات و أشكال عديدة من صيغ التعبير عن التضامن مع الشعب العراقي، وانشدت الأبصار الى شاشات القنوات التي كانت تنقل الغارات الجوية مباشرة، وبدأت تعم الجامعات والثانويات مظاهرات يومية، وخرج المغاربة في مسيرة مليونية بالعاصمة، على الأقل في مناسبتين، ودفعت المشاعر القومية الناس رجالا ونساء وأطفالا إلى الانتقال إلى الرباط للتنديد بالحرب والمطالبة بوقفها وعودة الجنود المغاربة. ولتهدئة المشاعر، ودفع الحرج الذي تسبب فيه تباين الموقفين الشعبي والنظامي، خطب الملك في الناس، يطمئنهم أن المشاركة المغربية تقتصر على القيام بأدوار إنسانية.
حين رحل الفاطمي لم تكن زاينة تعرف أنها حامل، وتشعر مريم بحسرة أنها وأباها لم يتعرفا على بعضهما فحسب، بل رحل دون يأخذ معه خبرا بأنه ينتظر مولودا أو مولودة جديدة. توصلت زاينة بشهادة وفاته، تشير إلى أنه قضى بسبب سكتة قلبية، لكن من عادوا من الحرب قالوا أنه هلك بنيران صديقة، فقد قصفت طائرة أمريكية شاحنة تقل الفاطمي وجنودا كانت توجد في المكان الخطإ. حين تبدأ المجالس في لوك حديث وفاة زوجها، كانت تتدخل زاينة بحزم لإنهاء كل جدال
– سيدنا الله ينصرو قال الجنود المغاربة مغديش يتحاربوا غادي يقوموا غير بمهمات إنسانية… سيدنا ماغاديش يكذب.
بعد أشهر من وفاة الفاطمي، بدأت أرملته تتوصل بتسعمائة وأربعة وعشرين درهما كمعاش شهري، ظلت تتدبر بها حياتها وحياة ابنيها اللذين كلما كبرا كبرت متطلباتهما، ولما لم يعد ذلك المبلغ يكفي، صارت تتعاطى بعض الأنشطة التجارية، استطاعت بعد مدة طويلة حجز مكان صغير عند مدخل القيسارية وسط المدينة، تتنوع البضائع التي تعرضعا حسب الفصول، في الغالب تعرض ما يهم النساء من أغطية للرأس وجوارب وملابس داخلية وبعض مستحضرات التجميل وعلاجات تقليدية للبشرة والشعر. وكلما اقتربت مناسبة ما عرضت ما يناسبها.
لا ينظر قاطنو حي الصون كاتورز cent quatorze بعين الرضى لما آل إليه حيهم، فبعد أن كان حيا يسود فيه الانضباط العسكري، صاروا لا يشعرون فيه بالآمان، حوادث السرقة وتجارة المخدرات والمشاجرات العنيفة بين شبابه، يتجمع الشبان مساء في راس الحومة يدخنون الحشيش ويحتسون العرق المقطر، لا حديث لهم إلا عن كرة القدم والانخراط في الجندية أو سبل الهجرة إلى إيطاليا.
التحق والد مريم المنحدر من سيدي بنور بالجندية أواخر سنوات السبعينات عندما قرر النظام رفع أعداد أفراد الجيش لخوض المعارك ضد جبهة البوليساريو، وعندما حطت الحرب أوزارها، انتقل إلى العمل بالثكنة العسكرية بقصبة تادلة، في إحدى عطله، رافق صديقة بيهي إلى مسقط رأسه بالقباب، هناك وقع بصره على زاينة أخت صديقه، التي أنجب منها ولدا وبنتا. فجمعت مريم بين قامة دكالية فارهة من أبيها وجمال أمازيغي أطلسي أخاد من أمها.
لم تسر دراسة مريم كما توقعتها، إذ كانت علامتها عادية، لم تحرز خلال سنوات إجازتها الثلاث أية ميزة تقديرية، نتائجها لا تؤهلها للمشاركة في مباراة الالتحاق بمعهد العالي للقضاء، من جهتها حاولت بأقصى جهدها أن تتفوق، لكن ظروف الدراسة الجامعية كانت غير ما شاهدته في الأفلام، اكتظاظ في المدرجات، نقص في الكتب والمراجع، سكن سيء مع طالبات بعادات وأمزجة مختلفة، مشاداة ومماحكات يومية لأتفه الأسباب. منحة لا تكفي حتى لسداد واجب كراء الغرفة المشتركة…
انهار حلم مريم في إدراك أن تكون قاضية، لكن الحلم بحياة وثيرة وخدم رهن الخدمة لازم فكرها، لم تستسلم، لا تتصور نفسها تحيا حياة الخصاص وضيق الحيلة، كان عليها أن تضع مخططا بديلا، لم يكن سوى التصميم على الهجرة إلى بلاد تتسع لأحلامها. فكرت في شراء عقد عمل، أو التسجيل في إحدى الجامعات، أو ركوب قوارب الموت… لن تعدم وسيلة للهرب من بلاد تحيل الأحلام كوابيس.
وافقت دعوة صديقة لها للخروج الليلي وارتياد الاندية والمطاعم الفاخرة رغبتها في الهجرة، لم يكن ذلك ضمن خططها، لكن لا ضير فكل ما يفي بالغرض لا تعترض عليه.
في صباح ذلك اليوم، هاتفت مريم صديقة لها لغرض الحصول على مبلغ بسيط كسلفة، منذ انغلقت الحدود و توقفت الرحلات لم يحضر عشيقها الانجليزي من أصول باكستانية، كان قد استأجر لها شقة مؤثثة واكترى لها سيارة لأمد طويل، استمر في إرسال ما يكفي من المال لسداد مستحقات كراء الشقة والسيارة، وإضافة ما يؤمن إعالتها، كانت تبعث بجزء من المال لأمها وأخيها بتادلة، لتبرير مصدر تلك الأموال ورفع الحرج، تزعم أنها حصلت على عمل كمديرة للموارد البشرية في فندق فخم.
كان علي خان رجلا ميسورا يزاول تجارة دولية بين انجلترا والباكستان والهند، كانا قد اتفقا على أن يتزوجا خلال عطلته القادمة، وأن يصطحبها معه للإقامة بلندن، كان كل شيء فيها يثير إعجابه، حتى إصرارها على مواصلة دراستها القانونية بالخارج، فالتزم بدعمها في بلوغ ما تتوق إليه، لقد جعلت مريم عليا خان يولد من جديد، أعطت لحياته معنى انسانيا وحركت ما كان مات فيه من فرح انساني أصيل بالحياة، لم ينتبه أن نمو وازدهار تجارته، وتكلس علاقته بزوجته ذات الأصول الباكستانية، جعلاه يستسلم لحياة جافة خالية من النبض الحقيقي، ويعتقد أنه يحقق المتعة بمزاولة الكولف والبوكير، والإصرار على تنويع النساء من أركان المعمور الأربع، فقد استأجر شريكات من البرازيل والتايلاند، وروسيا وجنوب إفريقيا ولبنان والسينغال وكرواتيا واسبانيا، لكنه حينما تعرف على مريم، أدرك أنه إنما كان يفر بدون وعي من نفسه ومن فراغ إنساني بسبب عطالته الوجدانية. كان في حاجة لامرأة واحدة تروض قلبه لتعيد إليه نبض الحياة وتشعره بأنه رجل حي.
كانت هي وعلي خان يتواصلان يوميا عبر تقنية السكايب، حتى عندما ألم به الفيروس وانتقل ألى المستشفى ظلا يهاتفان بعضهما مرات عديدة في اليوم، رغم أن العلاقة بنيت على تبادل المصالح من كليهما، فقد كانا يشعران بالانجذاب الى بعضهما.
انقطعت أخبار علي ومكالماته، فكرت أنه ربما تطورت حالته لما هو أسوأ، أو ربما أدخل قسم الإنعاش وجردوه من هاتفه، لكن طال أمد انقطاع الأخبار، ستتوصل من صديق له كان قد رافقه في إحدى زياراته للمغرب بأن الفيروس قد فتك به، فتك به وبأحلامها.
أعادت كورونا مريم الى خط الانطلاق، كلما أحست أنها تتقدم نحو الانعتاق من واقع تشعر أنه يكبلها، يأبى ذلك الواقع إلا أن ينتصب أمام أحلامها، العمر شارف على الثلاثين، إنها في ذروة المنحنى، لن تسمح لها لياقتها بالمقاومة لمدة طويلة.
نفذت مدخراتها، واستأجرت غرفة بحي تالوجت، حيث كانت إقامتها منذ جاءت لمراكش لمتابعة دراستها، الحدود لا زالت مقفلة والرحلات الجوية متوقفة، الفضاءات حيث يمكن أن تعثر على الفارس المنقد مغلقة بمقتضى حالة الطوارئ الصحية، لتدبير هذه المرحلة الانتقالية تتدبر مريم حالها بتمكين زبناء مغاربة ممن يضعف حرصهم على المال أمام الجمال من خدماتها. تحاول أن تطرد من ذهنها فكرة متداولة بين البنات، تقول إن ألواحدة منهن كلاعب كرة قدم محترف، يبدأ باللعب لأندية كبيرة، ثم يبدأ في التدحرج إلى أسفل حتى يجد نفسه في ناد مدينته بقسم الهواة، حين يمر احتمال هذا المصير بفكرها، تمد يدها لأقرب قطعة خشب تتحسسها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى