هل يستعمل صندوق النقد الدولي ورقة القروض للضغط على مصر لقبول تهجير الفلسطينيين من رفح؟
لوسات أنفو
نشرت DW الألمانية تقريرا تساءلت فيه عن طبيعة الضغوط التي تتلقاها دولة مصر لجعلها تقبل بفتح حدودها للاجئين الفلسطينيين في حال قيام إسرائيل بعملية عسكرية.
وقالت DW في التقرير إن الكثير من المصريين ينظرون بريبة إلى توقيت الحديث عن فتح الحدود أمام الفلسطينيين خاصة مع تأكيد الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي إنه سيشن هجوما على رفح في جنوب قطاع غزة قرب الحدود المصرية حيث يقيم أكثر من مليون نازح فلسطيني.
وذكر التقرير أن ذلك أدى إلى زيادة المخاوف بشأن سيناريو تدفق المزيد والمزيد من النازحين قرب الحدود المصرية، خاصة في ضوء الخطط التي صاغتها مؤسسات الفكر والرأي الإسرائيلية والتي تم تسريبها إلى وسائل الإعلام وتفيد بأن هذا السيناريو بات الأقرب إلى الواقع.
فقد أصدر معهد “مسغاف” الإسرائيلي لبحوث الأمن القومي وللاستراتيجية الصهيونية، ورقة ذكرت أن الصراع الدائر يوفر “فرصة فريدة ونادرة لإخلاء قطاع غزة بأكمله”.
وحسب التقرير فقد رفضت مصر مثل هذه الخطط خوفا من عدم السماح للنازحين بالعودة إلى ديارهم على الإطلاق. فيما اعتبرت منظمات حقوقية أي “نقل قسري” من هذا القبيل قد يرقى لأن يكون “جريمة حرب”.
تقرير من صحيفة فايننشال تايمز البريطانية قال إن السياسيين الإسرائيليين طلبوا من نظرائهم الأوروبيين الضغط على مصر لفتح الحدود.
و أوضح التقربر أن هذه الضغوط تتزامن مع قرب اتخاذ صندوق النقد الدولي قرارا بشأن ما إذا كانت مصر ستحصل على قرض تتراوح قيمته ما بين 6 مليارات دولار (5.6 مليار يورو) و12 مليار دولار لدعم الاقتصاد المصري الذي أثقلته الديون فضلا عن تردي قيمة الجنيه.
وقد تحدثت صحف عربية عن تعرض مصر للضغوط لفتح حدودها أمام سكان غزة، رغم أن القاهرة ترى أن ذلك يمثل “خطا أحمرا،” بحسب صحيفة الأهرام الرسمية.
ويبدو أن مثل هذه الشكوك تجد ما يبررها في ظل التوقيت وحديث تقارير بما في ذلك تقرير من صحيفة فايننشال تايمز البريطانية قال إن السياسيين الإسرائيليين طلبوا من نظرائهم الأوروبيين الضغط على مصر لفتح الحدود.
يشار إلى أن الولايات المتحدة قد أعفت عام 1991 مصر من سداد ديونها التي بلغت في حينه نحو 10 مليارات دولار للموافقة على دعم التحالف الذي قادته الولايات المتحدة حينذاك لتحرير الكويت.
لكن ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، استبعد هذه الفرضية فيما يتعلق بقطاع غزة، قائلا: “لسوء الحظ، كانت هناك شائعات منتشرة منذ فترة سواء على منصات التواصل وحتى في الشارع المصري، حيث يقول كثيرون إن الغرب يعرض المال على مصر مقابل استضافة اللاجئين”.
وأضاف في مقابلة مع DW أن “الأمر يحمل في طياته سوء فهم خطير. صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والغرب بشكل عام على استعداد لمنح الأموال لمصر لأنه يساورهم حالة قلق بالغة إزاء زعزعة استقرار مصر بسبب الصراع في غزة”. “
وقال فابياني إنه علاوة على التضخم والديون، فقد تضررت مصر بشدة من انخفاض السياحة وتدهور أوضاع الملاحة الدولية بالبحر الأحمر.
وقال أشرف حسن، الباحث السياسي في مركز “سنتشري إنترناشيونال” البحثي ومقره الولايات المتحدة، إنه مع تعداد سكاني يبلغ 120 مليون نسمة، فإن “مصر أكبر من أن تفشل”.
وشدد على أن المقايضة بين تقديم مساعدات مالية وفتح الحدود مع سكان غزة ليست ذات قيمة بالنسبة لمصر، مضيفا “(الحكومة المصرية) تدرك أنه لا توجد حوافز اقتصادية يمكن أن تعوض تعريض البلاد لمخاطر أمنية وسياسية سوف تترافق مع السماح للفلسطينيين بالدخول”.
وأشار إلى أن هذا الأمر يشمل مخاطر أمنية من احتمالية دخول مسلحين فلسطينيين إلى الجانب المصري فضلا عن اعتبار الحكومة المصرية وكأنها تساعد إسرائيل في تهجير سكان غزة بشكل دائم.
أصدر معهد “مسغاف” الإسرائيلي لبحوث الأمن القومي وللاستراتيجية الصهيونية، ورقة ذكرت أن الصراع الدائر يوفر “فرصة فريدة ونادرة لإخلاء قطاع غزة بأكمله”.
وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري أمام مؤتمر ميونيخ على أن مصر لا تنوي إعداد أي أماكن آمنة للمدنيين في غزة، مضيفا “الحديث عن بناء جدار على حدود مصر مع غزة هو مجرد افتراض، ونحن نجري عمليات صيانة فقط”.
ويقول خبراء إن الحكومة المصرية تسير على خيط رفيع بين مشاعر عامة المصريين الداعمة للقضية الفلسطينية من جهة وبين الترتيبات الأمنية القائمة منذ فترة طويلة مع إسرائيل.
وفي هذا الصدد، نقلت وكالة أسوشيتد برس قبل أيام عن مسؤولين مصريين ودبلوماسي غربي قولهم إن مصر قد تعلق معاهدة السلام مع إسرائيل، إذا ما اجتاحت الأخيرة مدينة رفح، لكن سامح شكري نفى ذلك.
وفي تعليقه، قال فابياني إنه من الواضح “أن تعليق اتفاقية السلام أو إسقاطها سيكون خطوة بعيدة جدا بسبب التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية”، مشيرا إلى أن اتفاقية كامب ديفيد المبرمة عام 1979 لا تشمل فقط التعاون الأمني مع إسرائيل وإنما أيضا الحصول على مساعدات أمريكية.
وقال إن الحكومة المصرية”تتفاوض في الوقت الراهن على صفقة حساسة للغاية مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي للحصول على المزيد من الأموال. لذا فإن آخر شيء تريده القاهرة هو التسبب في إثارة مشاكل”.
وقال إن الخيارات الأكثر احتمالا التي قد تقدم عليها مصر للضغط على إسرائيل ربما تعليق العلاقات الدبلوماسية أو سحب السفير المصري من إسرائيل، مشيرا إلى أن القمة التي عقدت الأسبوع الماضي بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في القاهرة قدمت “خيارا آخرا”.
وأوضح ذلك قائلا: “بعثت القمة رسالة مشتركة مفادها أن مصر تظهر للعالم، وخاصة إسرائيل، أنها ليست معزولة وأن انتهاك الخطوط الحمراء التي وضعتها مصر فيما يتعلق بالوضع في رفح ليس مشكلة تخص مصر فقط وإنما مشكلة تقلق الجميع.”
واتفق جميع الخبراء الذين تحدثت معهم DW على أن ما سيحدث بعد ذلك على الحدود بين مصر وغزة يعتمد في الغالب على إسرائيل.
وفي هذا الصدد، ذكر تقرير صدر عن مجموعة الأزمات الدولية أواخر الشهر الماضي أن “الدبلوماسيين المصريين ما زال يساورهم الشك من أن الهدف الخفي لإسرائيل هو دفع الفلسطينيين نحو الحدود المصرية. قد يحاول الفلسطينيون دخول سيناء بمحض إرادتهم إذا أدت التصرفات الإسرائيلية إلى جعل غزة غير صالحة للسكن”.
وقال الباحث السياسي أشرف حسن إن هذا سيمثل السيناريو الأسوأ “لأنه لن يكون حلا تفاوضيا بل سيُفرض على مصر”.
وقالت ميريت مبروك، الباحثة البارزة في معهد دراسات الشرق الأوسط ومديرة برنامج مصر التابع للمعهد ومقره واشنطن، إن هذه المرحلة “لا توفر الكثير من الخيارات”، مضيفة “إذا اجتاز الفلسطينيون الحدود، فسوف تستقبلهم مصر. ولن يشرع (جنودها) في إطلاق النار على النساء والأطفال اليائسين”.
يتزامن هذا مع ما نقلته صحف غربية من بينها وول ستريت جورنال الأمريكية عن مصادر أمنية و”مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان” ومقرها لندن، قولها إن مصر تقوم بإعداد مخيمات يمكنها استيعاب ما يصل إلى مئة ألف نازح فلسطيني.
في المقابل، نفت مصر مثل هذه التقارير حيث قال رئيس الهيئة العامة المصرية للاستعلامات، ضياء رشوان، في بيان إن موقف مصر “هو الرفض التام والذي لا رجعة فيه لأي تهجير قسري أو طوعي للأشقاء الفلسطينيين من قطاع غزة إلى خارجه، وخصوصا للأراضي المصرية”.
وفي تعليقها، قالت ميريت مبروك إن هذا الأمر “لا يعني بالضرورة أن مصر لا تستطيع استيعاب (النازحين من غزة) إذ أنها تستضيف بالفعل ملايين اللاجئين من سوريا والسودان، لكن مصر في هذه الحالة لا تريد أن تكون طرفا في نكبة أخرى”.
وقال فابياني إن مصر قد تكون مستعدة لاستقبال عدة آلاف منالفلسطينيين كنوع من التسوية، مضيفا أن “هذا الأمر لن يبدو سيئا كما هو الحال مع الاستمرار في إبعاد جميع (سكان غزة)، كما أنه سيساعد الحكومة المصرية على حفظ ماء وجهها أمام عامة الشعب المتعاطف مع الفلسطينيين، لكنه لا يريد أن يرى أي نوع من التهجير الدائم [على غرار النكبة]”.
وشددت ميريت مبروك على صعوبة التنبؤ بما قد يحدث في رفح، لكنها قالت إن الأمر برمته يتوقف “على ما سيفعله الإسرائيليون بعد ذلك، لكن لا أحد يحاسبهم فعلا”.