نمر من ورق
نجحت المقاومة الفلسطينية في إلحاق خسائر فادحة بالجيش الإسرائيلي، كما نجحت المقاومة في استهداف مواقع عسكرية واستراتيجية حساسة
حسن أوزيادي
أدت عملية “طوفان الأقصى” إلى خلخلة موازين القوى في المنطقة، وأضحت بالملموس أسطورة “إسرائيل” القوية ذات النظام الأمني الأعتى والأقوى استخباراتيا إقليميا ودوليا، لا من حيث التكنولوجيا الحربية الحديثة و لا من حيث الإمكانات العسكرية الهائلة و الجد متطورة والتي خولت له أرقى وأعلى الرتب في تصنيفات المنظمات المتخصصة في التكنولوجيا الحربية من خلال مؤشرات دقيقة ليصنف بذلك ضمن أربعة دول الأكثر تصنيعا وابتكارا في مجال تكنولوجيا الصناعات الحربية الدقيقة.
أن عملية “طوفان الأقصى” كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، بتوقيتها وسرعة ودقة تنقيدها في غفلة من سبات أكثر الأنظمة يقظة وشراسة في العالم.
كان لتسارع الأحداث وقع صاعق على دولة “إسرائيل” بحيث لم تبرح على لململة سقوطها المدوي حتى ظهرت هشاشة بنيان دولة رسخت في الوعي الجمعي العربي أسطورة الدولة التي لا تقهر. الإرتباك في جميع مفاصلها أفرز تناقضات تنخر النمر من داخله، فشل في تدبير أزمة طارئة تهدد وجودها ولم تجد لها جوابا إلا بالتراشق في ردهات الكنيست الإسرائيلي و التلفيق المتبادل عن مسؤولية الهزيمة بين كل مكوناتها.
طوفان الأقصى قوض هيبة إسرائيل ومكانتها في المنطقة وأظهر أنها ليست القوة الخارقة ولا ذاك النمر الشرس الذي عند جرحه ينتفض ويهيج!! وإنما نمر من ورق تطايرت أجزاءه بنفخة من ريج وانبطح وهزل وانهزم عسكريا. لقد نجحت المقاومة الفلسطينية في إلحاق خسائر فادحة بالجيش الإسرائيلي، كما نجحت المقاومة في استهداف مواقع عسكرية واستراتيجية حساسة، الأمر الذي أدى إلى تعطيل قدرات الجيش الإسرائيلي وإنهاك قواه في زمن قياسي.
طوفان الأقصى مكن المقاومة الفلسطينية من تعزيز مكانتها إقليميا ودوليا وذلك بقوة تحملها وبتضحية أهاليها الصامدين في غزة وأثبتت على أنها قادرة على الرد على الاحتلال الإسرائيلي في أي وقت وفي أي مكان، مما قد يساهم في توسيع رقعة التوتر وتمدده إلى جنوب لبنان والجولان ليفتح باب الصراع على مصراعيه وبالتالي دخول قوى إقليمية أخرى على خط النار وتدويل الصراع ليصبح الشرق الأوسط مدخلا ومركزا بامتياز لحسم الهيمنة العالمية بين القوى الكبرى: الولايات المتحدة الأمريكية والصين و روسيا.
إن استمرار المواجهات بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل قد ينفلت في أي وقت من سياسة الجغرافيا ليمتد إلى جغرافية الاقتصاد وتضاريس قوميات دينية متناحرة وتصبح الموقعة ساحات متشابكة لحسم الصراعات الأيديولوجية والاقتصادية والسياسية ، يلعب فيها الرأسمال هيمنته المطلقة ليحدد بذلك و يوجه بوصلة الصراع حيثما يرغب.لأن للتكلفة البشرية غير واردة في قاموس صراع المصالح ، بقدر ما هو حسم لصراع وجودي وليس حدودي،قد يتخذ أشكالا مختلفة: من الإيديولوجية مرورا بالطاقة ثم ينتهي إلى الهيمنة الجيوستراتيجية