ثقافة
ميرال الطحاوي: لم أحب بول أوستر
ميرال الطحاوي / كاتبة مصرية
لم احب بول أوستر في الحقيقة لأسباب لا تتصل بالكتابة ، بل بالانطباع ، أو تلك الصورة المتخيلة التي قد ترسمها للآخرين بدون سبب سوى الانطباع الغامض بأنهم متعالون ، ولا يستحقون تلك النجومية وأن هناك من هم أهم منهم ولكن الضوء لا يعشقهم ، تكونت لدي تلك الصورة المتعالية لبول أوستر بعد حضوري لأحد القراءات التي يجتمع فيها نجوم الجيل الجديد من كتاب نيويورك، والتي تقام اسبوعيا في مكتبة صغيرة تقع في حي بروكلين ،في الحقيقة كنت أتوق لحضورها و أتهيب في نفس الوقت من الوجود في تلك الجلسات لأسباب كثيرة منها الخجل ، و منها الشعور بالجهل المطلق وسط تلك الحوارات الأدبية التي كانت دائما تبدو لي متعالية وفوقية بشكل يستعصي علي إدراكها ، أكد اللقاء ببول اوستر ذلك النفور الغامض في نفسي، ترافق مع ذلك ولعي بقراءة وسماع ليديا ديفيس و قصصها القصيرة جدا التي تتسم بالبساطة والذكاء اللغوي ، والتي تمنيت ترجمتها ، و لكنني فشلت و كذلك محاولات آخرين ترجمتها للعربية ، قرأت كثيرا آنذاك عن علاقة ليديا ببول اوستر ، زواجهما ، طلاقهما ، الابن دانيال و مأساته التي لا تشبه الا المآسي الاغريقية .. ( مات دانيال منتحرا منذ أشهر بعد أن اتهم بتسببه في مصرع رضيعته ذات العشرة أشهر بجرعة من المخدرات).
ظللت نافرة من بول اوستر (الكاتب) حتى قرأت له روايته الفريدة ” تمبكتو ” تلك الرواية التي ترجمها محمد عبد النبي ببراعة ، والتي تحكي ببساطة عن مريض فصامي اسمه مستر بونز ، عاش عمره مع امه العجوز و كلبه ويلي ، يدرك مستر بونز أن اجله قد اقترب وأن عليه أن يصحب كلبه ويلي إلي منطقة آمنة ، تلك التي تسمي تيمبكتو ، حيث يجد كل من الإنسان و رفيقه الوحيد منطقة آمنة لتنتهي عندها الحياة ، العلاقة بين الكلب وصاحبه ليست جديدة تماما في الأدب، رحلة مستر بونز للخروج من المدينة الصاخبة ليتخلص من كلبه أو يتركه في منطقة آمنة و عناد الكلب ويلي وإصراره على البقاء مع صاحبه حتى النهاية هي رحلة شديدة الألم ، مفارقة من نحب وما نحب موجعة ، يعرف بول أوستر كيف يكتب مراسم انتهاء الحياة و مخاوف مواجهة الموت بشكل فاتن .. يرقد اوستر اليوم في أحد مستشفيات مدينته الأثيرة نيويورك، ليكتب الفصل الأخير من عزلته.