موازين و فلسطين

عبد الإله إصباح/ كاتب ومحلل

عرف مهرجان موازين هذه السنة تراجعا ملحوظا في عدد الجمهور الذي حضر حفلاته بالمقارنة مع السنوات السابقة، وقد اشتكى عدد من المطربين من الحضور الباهت لحفلاتهم  على غير ما كانوا يتوقعونه، وكانت الحسرة والخيبة بادية على وجوههم والصدمة واضحة في تعابيرهم. وقد فطن جلهم إلى أن الأمر مرتبط بالدعوة إلى مقاطعة المهرجان تضامنا مع الشعب الفلسطيني وتنديدا بالإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حقه. و هذا ما حدا بالبعض منهم إلى التأكيد على أنه يحترم الجمهور ويقدره وإنه إن شارك في المهرجان فإنه لم يفعل ذلك إلا من أجل اللقاء به وتجديد الصلة معه في محاولة لتبرير ورطة المشاركة ودفع تهمة تجاهل نداء المقاطعة. لم تدرك الجهة المنظمة للمهرجان أن تنظيمه في السياق الإقليمي والدولي الراهن يعاكس مناخا من المشاعر الجياشة المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، ليس على المستوى الوطني وحده بل على مستوى العالم كله، فلأول مرة تخرج مظاهرات حاشدة في مجموعة من العواصم الغربية منددة بالمجازر الصهيونية ومطالبة بوقف الإبادة الجماعية في حقه وتمكينه من حريته واستقلاله. اختارت الجهة المنظمة للمهرجان تجاهل هذا المناخ العام و تحدي نداء مقاطعته ظنا منها أنها تستطيع استقطاب حضور وازن للجمهور مسقطة مواقفها من القضية الفلسطينية وهي تظن أن الشريحة الواسعة من هذا الجمهور غير مبالية لا بفلسطين ولا بغيرها، وأن ما يهمها هو قضاء ساعات من البهرجة و التملي بوجوه المطربين والمطربات، لتوجه من خلال ذلك رسائل إلى المتظاهرين والداعين إلى المقاطعة مفادها أننا  غير مبالين بكم  و لا نهتم  بما تدعون إليه من مواقف ومبادرات ، لآن الشعب المغربي لا يستمع إليكم ولا يأخذ ما تدعون إليه بعين الاعتبار.

والحقيقة أن الإصرار على تنظيم المهرجان  كان وراءه السعي إلى الانتشاء بحقيقة متوهمة عن الشعب المغربي كشعب  مستلب و منزو على ذاته، منفصل عن عمقه الحضاري والتاريخي والثقافي، ومجرد من أي حس تضامني مع الشعوب الأخرى وخاصة الشعب الفلسطيني، وشعب بهذه المواصفات يعطي الاطمئنان  لانتهاج سياسات معينة على المستوى الداخلي أو الخارجي دون الخوف من أية عواقب غير متوقعة أو ردود فعل غير منتظرة.

والآن بعدما تبين أن نداء مقاطعة المهرجان كان له تأثير، ولقي صدى وتجاوبا من الجمهور الواسع، ينبغي للجهة المنظمة أن تستخلص العبر والدروس، وان تكف عن الاستهانة بالمبادرات الشعبية و وتتوقف عن معاكسة ومناوئة مشاعر و وجدان الشعب المغربي المرتبطة بالقضايا القومية والإنسانية العادلة. نعم هناك من القلة المتصهينة من آلمه و يؤلمه دوما اهتمام الشعب المغربي  وانشغاله بواقع القضية الفلسطينية، ولهذا لا تكف هذه القلة عن التعبير عن حقدها العنصري وتبرمها من موقف الشعب المغربي وفعالياته المتضامنة مع فلسطين، بل إن البعض منها اخذ يصرخ ” ارحمونا من هذا التملق للشعب الفلسطيني ”  ونحن نقول له ” ارحمنا أنت من فاشيتك وعنصريتك البغيضة وعمالتك المقيتة للصهيونية.