معركة نساء و رجال التعليم: منعطف تاريخي غير مسبوق يعكس بزوغ أسلوب جديد للمقاومة السلمية على نهج المهاتما غاندي و جوزيف برودون:
هل من المعقول أن يخضع أجراء لا يحصلون إلا على رواتب زهيدة لمراسيم يسنها رؤساء و وزراء يغرفون رواتب فاحشة
حسن أوزال (مفكر مغربي)
على منوال المهاتما غاندي بوسعي التوكيد في ظل المعركة التي يخوضها رجال التعليم و نساؤه في المغرب اليوم، على أنهم لو أدركوا إدراكا جيدا بأن الخضوع للقوانين الجائرة هو ما يحط من كرامتهم لتحرروا و صاروا أسياد أنفسهم، بحيث لن تستطيع أية سلطة مهما بلغ شأنها بعدئد أن تستعبدهم.
فمايستوجب استيعابه هنا إنما هو كون القضية في مجملها قضية مفصلية تاريخيا لأنها لاتقبل أكثر من حلّين إثنين .و إذا كان الحل الأول هو الحل الذي سيفضي بأسرة التعليم للكرامة و تحسين أوضاعها المزرية شريطة التحلي باليقظة و مايكفي من الرغبة و العزيمة للانفكاك من نظام السخرة، فالثاني خلافا للأول يرجع إلى ما دعاه” لابويسي” بالعبودية الطوعية التي انغمست فيها منذ عقود و لن تؤدي بها بطبيعة الحال إلا للتبخيس و التحقير و المزيد من الاستعباد.
انتصارا منا للحل الأول إذن، تجدر الإشارة الى إمكانية الإستنارة و الاسترشاد بحركات المقاومة الصغرى التي عرفها التاريخ و التي من بينها حركة غاندي نفسه السلمية باعتبارها مدرسة رسخت في التاريخ السياسي أسلوب تحرر فريد من نوعه هو ما أسماه غاندي ذاته بالمقاومة السلميةla résistance passive.وهي مقاومة تنهض أول ما تنهض على مبدأ قوة النفس la force de l’âme التي تفوق كثيرا قوة السلاح مادام أن المحارب الحقيقي بحسب غاندي ليس هو المحارب الذي يقتل غيره من الناس بل هو الذي يعتبر دوما أن لا صديق أغلى لديه من الموت عينه. إذ على هذا النحو فحسب ،يتبدد الخوف لتعم بالتالي الشجاعة و الشهامة باعتبارهما كفضيلتين، أساس الخطوات الصغيرة التي أدت الى تحقيق تغيير عميق نجح فيه المهاتما غاندي نجاحا باهرا، مختصرا ملحمة النضال ضد الحكم الاستعماري البريطاني في حركة بسيطة بندها العريض هو :استخراج الملح .
الظاهر إذن أن الأمر ليس يتوقف و الحالة هاته على التدريب العسكري و لا يتطلب تقوية العضلات أكثر مايتوقف على التحلي بخصلة حسن التبصر باعتبارها ما يجعل الإنسان حرا كالأسد في الغابة، يكفيه فحسب أن يحدق في عدوه ليهزمه .إن حسن التبصر إذن خصلة عز نظيرها ترتبط بصفاء الذهن الذي يفضي الى صفاء الروح و قوتها أكثر ما ترتبط بالقوة الجسمانية. يرى غاندي كمناضل في السمات النفسية الممزوجة بتصور عقلاني نظيف لب كل حركة ثورية ترنو الى الحرية و يكاد منظوره هذا يتقاطع بالمناسبة مع منظور الفرنسي برودون صاحب مؤلف” ما المِلْكية؟” الذي بسط فيه رؤيته للتغيير ناحثا لأول مرة في التاريخ السياسي مفهوم الفوضوية(1840).ذلك أن الفوضوية نزعة تحررية بامتياز،تقوم على رفض كل نظام سلطوي تراتبي فوقي من أجل تنظيم أفقي تعاضدي تعاوني فدرالي .من ثمة واستئناسا بهذه المعطيات نتساءل عن مدى جدارة الحركة التي بدأت تتشكل في الأوساط التعليمية؟ ألا تنطوي على بوادر فوضوية رافضة لكل ديمقراطية تمثيلية؟ ربما و هذا ما يطفو على سطح الأحداث خاصة عندما نستحضر روح الرفض السارية بين رجال التعليم سواء للنقابات باعتبارها تنظيمات بيروقراطية انتهازية أو لكل تنسيق فوقي.
بناء عليه نخلص إلى التنبيه على أن المشكلة التي مافتئ رجال التربية يتخبطون فيها سابقا و كانت السبب في تردي أحوالهم إنما هي بالأساس مشكلة السلبية التي لم يجرؤوا قط على الخروج منها .ذلك أنهم باستسلامهم للسلبية يتنكرون لإنسانيتهم تاركين الساحة فارغة للعدو (حكومة كان أو نقابة).و إلا فهل من المعقول أن يخضع أجراء لا يحصلون إلا على رواتب زهيدة لمراسيم يسنها رؤساء و وزراء يغرفون رواتب فاحشة؟ بل هل من المنصف أيضا، أن يبقى المرء شاهدا على مايجري من حيف و جور دون أن يبادر من جهته بأي شيء و لو كان ضئيلا؟ لعل أهمية طرح تساؤلات جوهرية من هذا القبيل هي ما يعود الى ما تنطوي عليه من راهنية في لحظة تستلزم اليقظة المحفوقة بضرورة الانخراط في المعركة إبداعا و دونما أدنى تردد، لأساليب جديدة من المقاومة يغدو معها حتى الإخفاق و الفشل أفضل بكثير من التقاعس و الخنوع.