مصطفى الريحاني: ناي يعلم الروح قانون الفرح
محد النواية
يسعدني ويسرني أن أتكلم عن الفنان مصطفى الريحاني ؛مساره الفني وتجاربه الموسيقية الكثيرة.
تأثر أول الأمر بالموسيقى الغربية التي كانت تصاحب التمثيليات الإذاعية التي كانت تقدمها الإذاعة ، وزاد عشقه لها وشغفه بها .ورغبة في اكتشاف الفن الموسيقي التحق بمعهد الموسيقى بدار السي سعيد لدراسة الموسيقى على يد أساتذة أذكر منهم مولاي عبد الله الوزانيومحمد أمنجار . لابد من الإشارة إلى نقطة مهمة هي أن الريحاني تشأ في حي ضباشي الذي كان يعيش أجواءا موسيقية وفنية ؛حيث كانت محلات لفرق موسيقية ومطربين لإقامة الحفلات والمناسبات ؛وأخرى لبيع الآلات الموسيقية بكل أنواعها ؛وكانت مقاهي شعبية للاستمتاعبالموسيقى ساهمت في تكوين وتهذيب الذوق الفني لأجيال من شباب ذلك الوقت .
هكذا كان مصطفى يحضر بعض الجلسات لصقل مواهبه مع الطويهر الحجام وعند المرحوم الشيخ الطاهر أمنزو في دكانه قبالة درب الجديد بنفس الحي قبل أن ينتقل إلى سوق الكيماخين.
بعد نهاية مشواره الدراسي سيشتغل في قطاع الاتصالات بالدار البيضاء وسيلتحق بالمعهد الموسيقي بها لإتمام دراسته الموسيقية وقد برع أتناء دراسته في العزف على الناس الغربي والسكسوفون والعود ؛وبدأ يشارك مع فرق الجاز والموسيقى الغربية الكلاسيكية بالدار البيضاء .
أواخر السبعينات سيؤسس في الدار البيضاء مع مجموعة من الفنانين مجموعة الشعلة للأغنية الملتزمة كان من بينهم المرحوم إسماعيل وعبد الله زريقة وثريا الحضراوي؛ المجموعة التي أمتعت جماهير الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في المهرجانات التي كانت تقدمها في جامعات الرباط،فاس؛ الدار البيضاء ومراكش .
سينتقل الريحاني إلى مراكش 1990 ،سيبدأ في إحياء أمسيات فردية كلاسيكية في المراكز الثقافية الفرنسية والاسبانية بمراكش وأمسيات أخرى صحبة شعراء في قراءات شعرية لدواوينهم .بعدها سيدخل غمار الثنائيات مع عازفين على القيتار؛العود؛البيانو؛وآلة الزرب مع جمال الريوي الذي أنتج معه شريط مدمج من أشكال من التراث المغربي .
حين تعذر دوام هذه التجارب سيختار الريحاني ابنه طارق ليؤسس معه ثنائي جميل سماه “ثنائي الريحاني” . أشير كذلك إلى أن مصطفى الريحاني يعد من الأوائل اللذين اشتغلوا على الموسيقى الغربية الكلاسيكية بمراكش .
تم تأتي مرحلة الفرقة الموسيقية التي أسسها رفيقه المرحوم الفنان سعيد الشرايبي الذي اختار تشكيلة من الآلات سماها “رباعي الحمراء” علاوة على بنية تركيبية لمؤلفاته الموسيقية المستقاة من روح التراث المغربي الأندلسي ؛مما جعل انتاجات الفرقة مؤهلة لكي تصل الى العالمية؛جال مصطفى مع الفرقة معظم بلاد أوروبا من فرنسا إلى روسيا .
جانب أخر في مسار الريحاني هو انخراطه في إحياء التراث المغربي الأصيل فنراه يعزف مع فرق جمعيات طرب الملحون على الناي الغربي ومرة مع فرق الطرب الأندلسي على آلة الرباب وكان من بين أعضاء الأوركسترا السمفونية التي عزفت في أول تجربة صحبة الجوق الأندلسي بفاس في مهرجان الموسيقى الأندلسية باقة من الصنائع الأندلسية .
عزف الريحاني يجعل الموسيقى تكشف عن طبيعتها الحسية المتعددة وتجعلنا ندركها من خلال مسامنا ؛تفتن الأذن وتغنيها وتهز أوردة الفؤاد ؛لهذا يتطلب الإنصات تركيزا يكون حسيا وروحيا في نفس الآن قصد التمتع بالرقي والعذوبة .
لقد آن الأوان لكي نعترف بأن لا وجود لأي تطور ممكن دون تشجيع الإبداع الفني ودون تقديس للجمال . ما ينقصنا هو اديولوجيا للجماليات وقد قال أندريه مالرو بأن علينا أن نفتح أعين الشعب على الجمال بالشكل نفسه الذي علينا فتحها على الروابط الوثيقة بين الفن والحرية والإبداع .إننا لا نزال عموما فقراء من الناحية الفنية من هنا أهمية تتمين مكانة الفنان في المجتمع والمبادرات المحمودة من قبيل هذه المبادرة .