مركزية الراديكاليات الاجتماعية في المشروع السياسي للحزب الاشتراكي الموحد- أيوب داهي
أيوب داهي : عضو المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد
الحقيقة هي أنني لا أجد نفسي متفقا كثيرا مع الرفيق محمد الصلحيوي و هو يحاول ترسيخ فكرة مفادها أن ” الوثيقة التوجيهية” المنبثقة عن المؤتمر الوطني الخامس هي قول حزبي جماعي, تمهيدا لاعتبارها جوابا نهائيا و مشروعا مكتملا للحزب , و هذا راجع لسبب تأسيسي هو أن الحزب الاشتراكي الموحد كان و لايزال أداة تجميع و لم للشمل و احتضان لكافة الفعاليات اليسارية بمختلف مدارسها و ضامنا للتنوع و الاختلاف لتلافي مرارة الانشقاقات -رغم الفشل النسبي الذي لاقته هذه المهام- ثم لسبب آخر أيضا لا يقل أهمية هو أن قتل التنوع و اعتماد الطرح الأوحد داخل الحزب سيحرم أرضية ”السيادة الشعبية” نفسها, التي تقود الحزب خلال ولاية السنوات الثلاث المقبلة, من امكانيات التنافس و تطوير مهارات الترافع مع ما قد تنتجه الانتلجنسيا الحزبية مستقبلا، و هو ما سيؤدي لا محالة لفتور و خمول الالة الحزبية، كانعكاس طبيعي لفتور الحقل الحزبي ككل، خصوصا أيضا ان الحزب لايزال يعيش تداعيات و مخاض ما بعد انشقاق 2021، بالإضافة إلى أنه لحدود اليوم لم تحظى أطروحة الانخراط و دعم الحركات الاجتماعية لما يكفي من التدقيق و الفهم ثم الترويج و الدعاية رغم مرور قرابة السنة عن تبنيها من قبل المؤتمر.
كما لا أجد نفسي متفقا مطلقا مع فكرة خلق التيارات بين مؤتمرين, رغم ما تفتحه هذه التقنية من امكانيات للضغط -الايجابي طبعا- من أجل تقويم الاداء الحزبي و انعاش النقاش الداخلي و تقوية الهياكل التنظيمية حتى تستوعب الاختلافات بين الرفاق. فرغم هذه النقاط المستحسنة الا أن تهلهل الوضع التنظيمي الحالي- و هي ميزة عامة و لا ترتبط بالحزب الاشتراكي الموحد فقط- يقف حائلا و ينتصب حاجزا أمام هذا المبتغى , اضافة الى ان خلق تيارات بدون مضامين فكرية و سياسية جديدة او مضامين تم استهلاكها, او بمضمون موجود اصلا و يقود الحزب, فهذا قد يساهم في تسفيه الفكرة من أصلها و يعمق الشرخ بين الرفاق و الاخطر من ذلك هو الزج بجيل الشباب في صراعات جيل المخضرمين و خلق حزازات بينهم لأسباب في الغالب لا علم لهم بها, ما سيؤثر حتما على مستقبل وحدة الحزب.
في المقابل أجد نفسي متفقا تماما مع مضمون المادة 25 من القانون الاساسي التي تقول أن ” اذا ما برزت خلافات جوهرية حول التوجهات الكبرى للحزب في مجال الايديولوجيا و السياسة و الاقتصاد و التنظيم بين أعضاء و عضوات اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني و لم يتم الاتفاق على اعداد وثيقة توجيهية واحدة, يحق لكل مجموعة من الرفيقات و الرفاق التقدم بمشروع أرضية مشتركة أو عدة مشاريع أرضيات في حالة تعدد المجموعات, تعكس وجهة نظر أعضائها و عضواتها و برنامج عمل الحزب السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي و التنظيمي للمرحلة السياسية المقبلة”. و منه اعتبر ان فترة التحضير للمؤتمر هي الزمن السياسي المثالي للتنافس و التناظر بين الطروحات الفكرية و السياسية المختلفة وما قد تفرزه من تيارات، مع حلها التلقائي عقب نهاية المؤتمر و اعلان الارضية الفائزة.
رغم كل المؤاخذات و رغم كل ما يقال و رغم كل الاخطاء-جزء كبير منها كانت ترتكبه ايضا المكاتب السياسية السابقة- فاني اجد نفسي ملزما بهذه الفقرة من القانون الاساسي, و أنها يجب ان تكون ملزمة لجميع أعضاء الحزب, و روح هذه المادة هي دعوة صريحة للالتفاف حول اي مكتب سياسي ينتخبه المؤتمر مهما كانت درجة الاختلاف معه و مهما بلغ ارتباكه وضعفه و أخطائه, لدعمه و الدفع به لتجويد أدائه و معه اعادة الثقة لكافة مناضلات و مناضلي الحزب.
على مستوى تدبير الاختلاف داخل الحزب ليس لدي لأقوله أكثر من الذي قلته, فالحزب اليوم يتوفر على وثيقة توجيهية ترسم ملامح مشروعه السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و يبقى فقط ان يظهر أعضاء المكتب السياسي الحالي حذاقتهم و كفاءتهم و ثقلهم و على رأسهم الرفيق الامين العام للدفاع و الذود و المنافحة على هذه الاطروحة المتفردة. قد تكون اطروحة مركزية الراديكاليات الاجتماعية في المشروع السياسي للحزب الاشتراكي الموحد خيارا استراتيجيا و من ثم فقد يحتضنها المؤتمر السادس مجددا, كما فعل ذلك المؤتمرين السابقين , لكن الاكيد ان استمرار الغياب الاعلامي و الميداني لأغلب اعضاء المكتب السياسي باستثناء الرفيق الامين العام جمال العسري و الرفيقة نبيلة منيب سينقل هذه الاطروحة الى أيادي رفاق آخرين, و الذين أشد على أياديهم و ارجو ان يتحلوا بالصبر و ان يزرعوا في أنفسنا الامل, و هم مطالبون أيضا بالخروج و شرح مضمون الوثيقة فأغلبهم كان موقعا و مساهما في أرضية السيادة الشعبية التي قدمت للمؤتمر الاخير كورقة وحيدة.
الراديكاليات الاجتماعية تخرج التجربة الحزبية المغربية من عنق الزجاجة
يعرف المؤرخ المغربي المصطفى بوعزيز و أحد مفكري اليسار الجديد و الحزب الاشتراكي الموحد مفهوم الحركات الاجتماعية في كتابه الوطنيون المغاربة انها ” تحركات جماعية تتأسس على قاعدة حيف و شعور بالدونية و تنطلق بهدف رفع الغبن و جبر الضرر و تعبر هذه الحركات عن انتظارات طالبي حق”. هذا التعريف في نظري يعطي لهذه الحركات مضمونا راديكاليا, فالأصل ان الناس تخرج للشارع لتحقيق مطالبها كاملة غير منقوصة حتى و ان حدث العكس و لم تحقق شيئا او حققت مكاسب جزئية. فالتجارب النضالية لا تقاس بمآلاتها بل بالرصيد الذي تخلقه و الخبرات التي يكتسبها المجتمع في كل مرة يملأ فيها الشوارع مطالبا بحقوقه السياسية و الاجتماعية و هذا ما يضفي على هذه الحراكات طابع الراديكالية. فكما التقط الحزب الاشتراكي الموحد هذه الديناميات و صور النضال اليومي التي تتشكل بشكل فردي و سرعان ما تتحول الى فعل جماعي و بنى عليها مشروعه السياسي, و كان هذا مضمون شعار مؤتمره الوطني الرابع و الذي زكته الوثيقة التوجيهية المنبثقة عن المؤتمر الخامس, و كما أدرك مبكرا التحولات العميقة التي شابت أشكال التنظيم و التعبير و قدرتها على التأثير في مجريات الحياة السياسية و فطن الى ان هذه الحركات ماهي الى شكل جديد من أشكال التسيس بتعبير عالم الاجتماع الأرجنتيني ”دنيس مركلان”, فلا شيء ينفلت من قبضة السياسة , وجب عليه بذل جهود مضاعفة للتدقيق أكثر في هذا المفهوم و استثمار جهود مناضليه و مفكريه في ذلك و صياغة اطروحة مجتمعية متكاملة مركز ثقلها و قطب رحاها هذه الراديكاليات الجديدة. خرجت اذا, حركة 20 فبراير الى الشوارع و بعدها حراك الريف و كل الحراكات الشعبية التي عرفها الوطن, و خرجت معها التعددية الحزبية المغربية من عنق الزجاجة, هذه الديناميات التي حركت مياه السياسة الراكدة في المغرب و أنعشت النقاش العمومي و فتحت ورش الاصلاحات الدستورية و السياسية, فمن وجهة نظري لا يوجد معنى اليوم للسياسة في المغرب خارج هذه الديناميات الاحتجاجية فالسياسة اليوم و أكثر من أي زمن سياسي مضى تؤثر فيها و تصنعها الهيئات المنخرطة في هذه الراديكاليات الجديدة و الحزب الاشتراكي الموحد واحد من هذه الهيئات.
حل معضلة التحالفات و أزمة الثقة في الاحزاب
” لكي نضمن عدم قيادة الجماهير في الثورة الى طريق خاطئ و لنكفل النصر للثورة, ينبغي لنا أن نهتم بالاتحاد مع أصدقائنا الحقيقيين لنهاجم أعدائنا الحقيقيين”. (ماوسيتونغ)
سؤال التحالفات هو سؤال سياسي معقد, كل التعبيرات الجادة في بلدنا بما فيها الحزب الاشتراكي الموحد لا تقدم عليه جوابا شافيا و ناجزا رغم ان التحالف هو مقوم أساسي من مقومات الخط السياسي, ربما لان التحالفات مرتبطة بالشروط الظرفية أكثر من كونها اختيارات استراتيجية, و ربما ايضا لان السياسة في المغرب تمارس داخل نسق شبه مغلق و مؤسسات صورية و بدون صلاحيات, لكن مع بروز هذا الفاعل الجديد المتمثل في هذه الراديكالية الجديدة, فقد تختلف الرؤية لسؤال اشكال العمل المشترك, و سيساهم هذا الفاعل اكثر في تقريب وجهات النظر او احداث قطائع بين مختلف الفرقاء السياسيين فالموقف من الحركات الراديكالية الجديدة و الانخراط فيها و دعهما من عدمه هو في نظري الذي سيتحكم في الاصطفافات السياسية, فالفرز المقبل سيكون بين القوى المنخرطة في الراديكاليات الجديدة و القوى المناهضة لهذه الراديكاليات, كما سيخفف ايضا من حدة الاستقطاب الايديولوجي بين أقطاب المعارضة لبناء نواة الجبهة الشعبية القادرة على تحقيق نظام الملكية البرلمانية التي يناضل الحزب الاشتراكي الموحد من أجلها.
الراديكاليات الاجتماعيات الجديدة تحل ايضا ازمة الفعالية الحزبية و تعيد المؤسسة الحزبية للواجهة –وليس العكس – ففي زمن انتشر فيه الالحاد السياسي, يسهل الانخراط في هذه الديناميات من مأمورية الاقناع بالبرنامج و رفع وعي المواطنين و جرهم للنقاش العمومي بدل الاستقطاب الحزبي الضيق غير المنتج. , حيث سيخرج البرنامج الحزبي من عمق المطالب الاجتماعية, و حيث سيستشعر المواطنون انفسهم في قلب الاهتمام الحزبي.
و تعزز هذا الطرح خلاصة موضوعية مفادها ان اغلب المغاربة في اغلب الاحيان لا يهمهم كثيرا الانخراط في هذا الحزب او ذاك او فوز هذا الحزب او ذاك بقدر ما يهمهم الاستجابة لتطلعاتهم و التمتع بعيش كريم.
و في الاخير استطيع القول ان الحزب الاشتراكي الموحد قد عثر على اطروحته المتفردة و الجديدة, التي تجعل مكانة هذا الحزب مميزة و مشرفة داخل المشهد الحزبي المغربي و تلقي على عاتقه مسؤولية كبيرة ليساهم الى جانب قوى البلاد الحية في تنمية و دمقرطة بلدنا المغرب.