مذكرات المفكر حسن أوزال(8): أين لنا بأمثال هؤلاء الذين استطاعوا أن يجمعوا مابين الفكر والحياة؟
الإثنين، 01 نونبر، 2010
من هو الحكيم،يا ترى؟ هو من لا يفاجئه الموت،ودوما يجد نفسه على أهبة المغادرة.هكذا علينا حالما تضيق بنا الأيام أن نعرف كيف نتسلق القمم و نرنو من الأعالي.
الخميس 4 نونبر2010
عندما أتفكر الفلاسفة الكلبيين، يشدني كثيرا ما كان يُقْدِم عليه ديوجين بالذات.فالرجل عاش طول عمره في برميل ،نكاية في فكرة السكن و الاستقرار وكان عندما يذهب إلى المسرح يدخل متراجعا إلى الخلف بعكس عامة الناس الذين يلجون المسرح متقدمين إلى الأمام.إن الفيلسوف كان شديد الحرص على قلب القيم و إظهار أن الحقيقة التي يعتقد بها أغلبية الناس إنما هي في واقع الأمر،مجرد أوهام .
الأحد، 14 نونبر 2010
سبق لـجاك دريدا أن ألح ذات مرة على أن”كل ما لا يمكننا قوله ، لا يجب علينا أصلا السكوت عنه ،بل كتابته” لذلك نلفي الكتابة عند فيلسوف التفكيكية تكاد تتجاوز القول والمسكوت عنه،إن لم نقل أنها أفق كل كينونة ،و مابين الكتابة و الكلام ينتصر الفيلسوف إلى سيف القلم بذل لغط اللسان و عزلة الكتابة بدل جموع اللغو .حكمته في ذلك خلود الكتابة و أفول الكلام، بله أيضا قوة الكتابة و تمردها ضد وهن القول و استسلام المتكلم.ربما فكر الفيلسوف،وهو يخط هذه الشذرة،في أولئك الذين عانوا الأمرين مع القلم،أولئك الذين تحت نير شرطة الفكر،أرغموا على الكتابة بأسماء مستعارة،أحيانا و على إرجاء عملية نشر ما كتبوه حتى بعد الموت،أحيانا أخرى.
الإثنين 15 نونبر2010
عندما ألتفت إلى حال الفلسفة في عالمنا العربي،ينتابني نوع من القلق و الأسى ،لست أدري لماذا ،لكن ربما يعزى ذلك إلى تلك الكتب العربية الصادرة في طبعات بئيسة،بخلاف المؤلفات الغربية الزاهية الجمال والمثيرة الشكل.كما قد يعزى أيضا إلى مضمون أغلبها التافه،الذي يحركه وازع واحد هو الظهور لا غير.الحاصل أن الفلسفة عندنا ما تزال شأنا جامعيا،سكولائيا فأين لنا بأمثال سبينوزا و جان ميسلي و لاموت لوفايير و دولباخ وهلفيتييس و نتشه.أين لنا بأمثال هؤلاء الذين استطاعوا أن يجمعوا مابين الفكر والحياة بل أن يجعلوا الحياة لحظات جديرة لأن تكون موضع استشكال على الدوام.لم نعرف لحد الساعة غير أساتذة الفلسفة و عمالها و لم يولد لدينا بعد من يتقن صقل الزجاج و نحث الإيطيقا و تشريح الأجساد صياغة لفن المتعة.من منا يستطيع أن يستلذ مثل سبينوزا بعدما يَكَلُّ من شطحات الفكر و السؤال،بمبارزة بين العناكب ثارة و مآل ذبابة (ضرورية لدورة الحياة بتعبير دولوز) سقطت في شرك نسيج الرتيلاء ثارة أخرى؟.من منا يجرؤ على الدخول إلى المسرح و قاعات السينما مشيا إلى الخلف كما كان يفعل ديوجين؟ …
الثلاثاء 16 نونبر 2010
كان الطبيب الفيلسوف” لاميتري” يستغرق وقتا كبيرا في تشريح الجثث وهو الوقت الذي يستغرقه آخرون في قراءة الكتب و التنقيب بين ثنايا المكتبات.لقد اتخذ الرجل الجسد موضوعا لاستنبات الأفكار ،واستطاع أن يرى في ثناياه ما يراه غيره بين دفتي كتاب.هكذا خلص إلى فكرته الجوهرية التي مؤداها ألا فرق بين الجسد و الروح و كلاهما عنده يتشكلان من المادة لا غير.وعلى هكذا نحو شرع يرى “أن الكتابة فلسفيا إنما تعني تعليم المذهب المادي” إذ ،لا يستدعي التفكير بالنسبة للرجل كما الشأن عند سبينوزا لا البكاء و لا الضحك بل المقارنة.لذلك ظل يقول “إني لا أعظ و لا أخَلِّقُ الأمور و لا أرشد إنما أفسر فحسب”. و بقدرما كان يجد أن التفلسف ليس يعني الأفكار المجردة و المفاهيم المثالية أكثر مما يعني الوقائع الملموسة ،بقدرما بقي يعتبر أن الفيلسوف الحقيقي إنما هو الفيلسوف الطبيب الذي يخوض غمار التجربة ،يقارن و يُشَرِّح، يقطع و يفصل ،على نهج الفزيائي و الذري. وفضلا عن ذلك ،نجده، أحيانا أخرى يوصي مرضاه بتعاطي الأفيون ،بله يدمن عليه هو نفسه استكناها لوحدة الجسد والروح و اختبارا عمليا للمتعة التي لا يفتأ يحرزها من هذا العلاج المقدس كما يحلو له أن يقول.العلاج الأكثر فعالية من كل الأبحاث الفلسفية بحسبه.